تشهد الساحة في الجنوب العربي حراكًا شعبيًا متصاعدًا يتجاوز كونه مجرد فعالية سياسية عابرة أو تحركًا تقوده نخب بعينها. إنه تعبير صريح عن إرادة جمعية متراكمة تشكلت عبر عقود من المعاناة والتجربة النضالية، ليؤكد أن ما يجري اليوم ليس مناورة تكتيكية، بل هو مسار شعبي أصيل يضع “استعادة الدولة” كهدف لا رجعة عنه.
جذور الحراك: إرادة شعبية تتجاوز النخب
إن الزخم الذي يشهده الجنوب اليوم هو امتداد طبيعي لمسار طويل من الرفض لسياسات التهميش. هذا الحراك يتميز بشمولية غير مسبوقة، حيث تلاشت فيه الفوارق المناطقية لتتوحد خلف راية الهوية الجنوبية.
تنوع المشاركة: يشارك في هذا الحراك الشباب والنساء، والنقابات العمالية، ووجهاء المجتمع، والناشطون المدنيون.
التمثيل الجغرافي: من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، يرتفع صوت واحد يطالب بالسيادة الوطنية.
دحض الافتراءات: هذا التنوع الشعبي ينفي تمامًا الادعاءات التي تحاول حصر القضية الجنوبية في دائرة “الصراع على النفوذ” أو تصويرها كأجندة لنخب سياسية محدودة.
استعادة الدولة: الإطار الضامن للكرامة والعدالة
في جوهر قضية شعب الجنوب، يبرز الحق في تقرير المصير. لا يبحث الجنوبيون عن مجرد تحسينات معيشية أو حلول ترقيعية، بل يسعون لبناء دولتهم على أسس تعكس هويتم وتطلعاتهم.
إن استعادة الدولة كاملة السيادة تُطرح اليوم بوصفها:
ضمانة للكرامة: إنهاء عقود من الإقصاء الممنهج للكوادر الجنوبية.
أساس الاستقرار: توفير بيئة آمنة بعيدة عن التوترات التي يفرضها واقع الوحدة المفروضة بالقوة.
تحقيق العدالة: بناء مؤسسات وطنية قائمة على الشراكة والمواطنة المتساوية.
مخاطر تجاهل الإرادة الجنوبية في المقاربات الدولية
يحذر المراقبون من أن أي محاولة لتجاهل الإرادة الشعبية في الجنوب، أو التعامل معها كعامل ثانوي في المشاورات السياسية، لن يؤدي إلى إخماد الصراع. بل على العكس، فإن هذا القفز على الواقع يسهم في إعادة إنتاج الأزمات بأشكال أكثر تعقيدًا.
أثبتت التجارب السابقة أن الحلول الجزئية والمؤقتة تفضي دائمًا إلى هشاشة سياسية وأمنية. فالسلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على أنقاض مطالب الشعوب، بل يجب أن ينطلق من اعتراف صريح بحقها المشروع.
دولة الجنوب العربي كحل مستدام للأزمة الإقليمية
على عكس ما تروّج له بعض القوى المعادية، فإن قيام دولة الجنوب العربي لا يمثل مشروعًا للتفتيت أو التصعيد، بل هو “خيار عقلاني” يعالج جذور الصراع بدلًا من الاكتفاء بإدارة نتائجه.
فوائد الاستقرار الجنوبي على المنطقة:
تأمين الممرات المائية: دولة جنوبية مستقرة تعني حماية الملاحة الدولية في خليج عدن وباب المندب.
مكافحة الإرهاب: أثبتت القوات المسلحة الجنوبية أنها الشريك الأكثر جدية في محاربة التنظيمات المتطرفة.
إنهاء بؤر التوتر: حسم ملف الجنوب يزيل أحد أكبر مسببات عدم الاستقرار في شبه الجزيرة العربية.
العقد الاجتماعي الجديد: الشراكة والمواطنة
تتطلع الرؤية الوطنية الجنوبية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يقطع مع ممارسات الماضي. هذا العقد يقوم على:
التعددية السياسية: احترام التنوع الفكري والسياسي داخل الإطار الجنوبي.
توزيع الثروة: ضمان استفادة كل أبناء الجنوب من موارد أرضهم بعد سنوات من النهب الممنهج.
بناء المؤسسات: الانتقال من عقلية “إدارة الأزمة” إلى عقلية “بناء الدولة” الحديثة.
الطريق نحو سلام عادل
إن الاعتراف بإرادة شعب الجنوب العربي والتعاطي معها بجدية ومسؤولية يمثل الخطوة الأساسية والوحيدة نحو سلام عادل ودائم. فالحلول المستدامة لا تُفرض من الأعلى عبر صفقات الغرف المغلقة، بل تُبنى انطلاقًا من تطلعات الشعوب وحقها في تقرير مستقبلها السياسي.
يبقى الجنوب العربي بكتلته البشرية والجغرافية الرقم الأصعب في معادلة الحل، وبدون إرضاء تطلعات هذا الشعب، ستظل كل محاولات التسوية تراوح مكانها، بعيدة عن ملامسة الواقع أو تحقيق الاستقرار المنشود.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















