تنبع أهمية هذا البحث التحليلي من كونه يعالج صراعًا مركزيًا مفاده أن “تحرير الشمال اليمني من الحوثيين وحلفائهم الإقليميين مرهون بنيويًا باستقرار الجنوب العربي”. لم يعد الجنوب مجرد طرف في الصراع، بل تحول إلى “الرافعة الاستراتيجية” التي يتوقف عليها أمن شبه الجزيرة العربية والملاحة الدولية.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على النجاحات التي حققها الجنوب منذ عام 2007 وصولًا إلى الدور المحوري للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي، وكيف أسست انتصارات القوات المسلحة الجنوبية قاعدة لتحرير مستدام في المنطقة.
الهوية والمسار: من الثورة السلمية إلى المقاومة المسلحة
شهد الجنوب العربي منذ حرب صيف 1994 محاولة ممنهجة لإسقاط الشراكة السياسية بالقوة العسكرية، واحتلال الأرض ونهب الثروات وتدمير المؤسسات في محاولة لمحو الهوية الجنوبية. وردًا على ذلك، انطلقت الثورة السلمية الجنوبية (الحراك الجنوبي) في عام 2007، والتي كانت حجر الزاوية في بناء وعي سياسي ومجتمعي واسع يطالب باستعادة الدولة.
ومع محاولة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران اجتياح الجنوب في عام 2015، انتقل النضال إلى مرحلة المقاومة المسلحة الجنوبية تحت راية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم تحرير المحافظات الجنوبية في زمن قياسي، وهو ما وضع الجنوب كلاعب رقم واحد في معادلة الأمن القومي العربي.
الجنوب كعمق استراتيجي: لماذا لا يتحرر الشمال دون استقرار الجنوب؟
تمثل مشكلة البحث الأساسية في سؤال جوهري: “هل يمكن تحرير الشمال من الحوثيين في ظل جنوب غير مستقر؟”. والإجابة الواقعية هي لا. فالجنوب يمثل العمق الاستراتيجي والجغرافي والاقتصادي، وأي اختراق أمني فيه ينعكس سلبًا على قدرة أي قوى مناهضة للحوثي في الشمال.
لقد أثبتت الوقائع أن أي انتصار في الجنوب ينعكس إيجابًا على القدرات الشمالية المناهضة للحوثي. فالسيطرة الجنوبية على الممرات الاستراتيجية والموانئ تمنع تدفق السلاح والمال المهرب للمليشيات، مما يضعف آلة الحرب الحوثية في صنعاء ومأرب.
تحرير حضرموت والمهرة: ضربة قاصمة لخطوط الإمداد الإرهابية
تعد الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة عوامل حاسمة لضمان استقرار الجنوب. لقد نجحت هذه القوات في:
إغلاق خطوط التهريب التي كانت تستخدمها المليشيات الحوثية وحلفاؤها من قوى الإرهاب الإخواني والقاعدة وداعش لتهريب الأسلحة والمخدرات.
تثبيت الأمن الداخلي في مناطق كانت تُستخدم كقواعد خلفية للجماعات المتطرفة.
تأمين الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن، مما قلص قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة الدولية والخليجية.
دور المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي
برز الدور القيادي للمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، كحامل سياسي وعسكري موحد. لقد تمكن المجلس من:
بناء القوات المسلحة الجنوبية: مؤسسة عسكرية محترفة قادرة على محاربة الإرهاب وتثبيت الأمن.
محاربة الإرهاب العابر للحدود: التصدي لتحالف (الحوثي – الإخوان – القاعدة – داعش) الذي يهدف لزعزعة استقرار المنطقة.
الشراكة مع التحالف العربي: تعزيز التنسيق الاستراتيجي لحماية الأمن القومي العربي من الأطماع الإيرانية.
إن التفويض الشعبي للرئيس الزبيدي في 4 مايو 2017 لم يكن مجرد حدث سياسي، بل كان تدشينًا لمرحلة “الحماية والمؤسسات” التي جعلت من الجنوب اليوم شريكًا موثوقًا للعالم.
رؤية استراتيجية: الربط بين أمن الجنوب والتحرير المستدام للشمال
تشير فرضيات البحث إلى أن القوى الإرهابية في الجنوب (القاعدة، داعش، وبعض أجنحة الإخوان) تعمل كـ “امتداد وظيفي” لمشروع الحوثي. لذا، فإن استقرار الجنوب يمر عبر تجفيف منابع هذه القوى، وهو ما سيؤدي تلقائيًا إلى:
إضعاف الموقف العسكري للحوثيين في الشمال نتيجة فقدان خطوط الإمداد.
خلق نموذج ناجح للدولة والمؤسسات في الجنوب يمكن البناء عليه لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
ضمان عدم تحول الجنوب إلى “دولة فاشلة” تستغلها إيران لتهديد المصالح الدولية.
النتائج والتوصيات المستقبلية
أثبتت الأحداث والنجاحات الجنوبية منذ عام 2007 وحتى تحرير المهرة وحضرموت أن استقرار الجنوب هو الشرط الأساسي لأي مشروع للسلام أو التحرير في اليمن. وتخلص الدراسة إلى النتائج التالية:
الاستقرار الجنوبي يعزز قدرة الشمال على التحرر من التبعية الإيرانية.
تحرير حضرموت والمهرة أمن الممرات الاستراتيجية والخليج من خطر التهريب.
أي مشروع يتجاهل حقوق شعب الجنوب في استعادة دولته سيكون مشروعًا هشًا وغير مستدام.
توصيات للعمل الاستراتيجي:
دعم القوات المسلحة الجنوبية: لضمان تأمين الحدود الدولية والممرات البحرية.
تبني استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب: تربط بين جرائم الحوثي وتحركات الجماعات المتطرفة في الجنوب.
تعزيز التنمية الاقتصادية في الجنوب: لترسيخ نموذج الاستقرار والازدهار بعيدًا عن نفوذ المليشيات.
التنسيق الكامل مع التحالف العربي: لضمان أمن المنطقة ومواجهة التهديدات المشتركة.
أثبتت النجاحات الجنوبية بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي أن استقرار الجنوب هو “المفتاح الذهبي” لحل المعضلة اليمنية. إن الجنوب المستقر والآمن لا يحمي حدوده فحسب، بل يوفر الأرضية الاستراتيجية لتحرير الشمال وتحقيق الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة والعالم أجمع. فبدون قاعدة جنوبية صلبة، سيبقى تحرير الشمال حلمًا بعيد المنال، وبدون إنصاف شعب الجنوب، ستبقى المنطقة رهينة للفوضى.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















