تشهد الساحة في الجنوب العربي حراكًا شعبيًا متصاعدًا يتجاوز كونه فعالية سياسية عابرة أو تحركًا تقوده نخب بعينها، ليعبّر بوضوح عن إرادة جمعية متراكمة تشكلت عبر سنوات طويلة من المعاناة والتجربة.
إن ما يشهده العالم اليوم في عدن والمكلا وسائر مدن الجنوب ليس مناورة تكتيكية ولا خطابًا موسميًا، بل هو امتداد طبيعي لمسار شعبي واسع يطالب بـ استعادة الدولة كاملة السيادة، بوصفها الإطار الوحيد الضامن للكرامة والاستقرار والعدالة.
حراك شعبي شامل لا مناورة نخبوية
يتميز الحراك الجنوبي الحالي بشموليتة وتنوعه الاجتماعي والجغرافي الفريد. فهو ليس مجرد حراك سياسي، بل هو نسيج متكامل تشارك فيه كافة فئات المجتمع:
الشباب والنساء: الذين يمثلون وقود الثورة التحررية وحماة الهوية الوطنية.
النقابات والقطاع المهني: التي ترى في استعادة الدولة استعادة للحقوق العمالية والمؤسساتية المنهوبة.
الوجهاء والقبائل: الذين يشكلون الحاضنة الشعبية والاجتماعية التي تمنح التفويض السياسي طابعًا شرعيًا لا يتزعزع.
هذا التنوع ينفي تمامًا الادعاءات التي تحاول حصر القضية في دائرة “صراع النفوذ” أو تصويرها كحركة نخبوية، بل يؤكد أنها قضية شعب يسعى لاستعادة حقه في تقرير مصيره وبناء دولته على أسس تعكس هويته وتطلعاته، بعيدًا عن سياسات الإقصاء أو الوصاية.
مخاطر تجاهل الإرادة الجنوبية: إعادة تدوير الصراع
إن أي مقاربة سياسية دولية أو إقليمية تتعامل مع الإرادة الشعبية الجنوبية كعامل “ثانوي” هي مقاربة محكومة بالفشل. فتجاهل مطالب الشعب الجنوبي لا يؤدي إلى إخماد النزاع، بل يسهم في إعادة إنتاجه بأشكال أكثر تعقيدًا وخطورة.
هشاشة الحلول الجزئية
أثبتت التجارب التاريخية في المنطقة أن القفز على مطالب الشعوب ومحاولة احتوائها بحلول “ترقيعية” أو مؤقتة يفضي إلى:
هشاشة سياسية وأمنية: حيث تظل جذور المشكلة قائمة وتنفجر عند أول منعطف.
تقويض فرص التسوية: إنكار الواقع الشعبي في الجنوب العربي لا يخدم السلام، بل يؤجل الانفجار ويعمّق فجوة الثقة بين الشعوب وصناع القرار.
الدولة الجنوبية: حل مستدام لا مشروع تصعيد
تبرز دولة الجنوب العربي المستقلة باعتبارها حلًا مستدامًا للأزمة الشاملة، لا بوصفها مشروعًا للتفتيت كما يروج البعض. إن قيام دولة جنوبية كاملة السيادة يمثل خيارًا عقلانيًا يعالج جذور الصراع بدلًا من الاكتفاء بإدارة نتائجه، وذلك من خلال:
بناء عقد اجتماعي جديد
تسمح استعادة الدولة ببناء نظام سياسي قائم على الشراكة والمواطنة المتساوية، بعيدًا عن المركزية القسرية التي دمرت مقدرات الجنوب لعقود.
استقرار الإقليم والممرات الدولية
يمثل استقرار الجنوب استقرارًا مباشرًا لأهم الممرات المائية في العالم (باب المندب وخليج عدن). دولة جنوبية قوية ومنظمة هي الشريك الأمثل للمجتمع الدولي في:
مكافحة الإرهاب: وتجفيف منابع التطرف التي ازدهرت في ظل غياب الدولة.
تأمين الملاحة: وحماية التجارة العالمية من تهديدات المليشيات العابرة للحدود.
تقرير المصير: المبدأ الدولي لحماية الشعوب
إن الاعتراف بإرادة شعب الجنوب العربي والتعاطي معها بمسؤولية يمثل خطوة أساسية نحو سلام عادل. فالحلول المستدامة لا تُفرض من الأعلى، بل تُبنى انطلاقًا من تطلعات الشعوب وحقها المشروع في تقرير مستقبلها وفق القوانين الدولية.
الشرعية التاريخية: الجنوب كان دولة معترفًا بها، واستعادتها هي تصحيح لمسار تاريخي انحرف عن مساره الطبيعي.
الاستثمار في السلام: الاعتراف بالواقع الجنوبي هو استثمار في الاستقرار المستقبلي للمنطقة العربية بأكملها، وتقليص لبؤر التوتر المزمنة.
حتمية الانتصاف لشعب الجنوب
إن الحراك الكبير الذي يشهده الجنوب العربي اليوم هو رسالة للعالم بأن زمن التهميش قد ولى. إن شعب الجنوب، بتلاحمه مع قيادته المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي، قد حسم خياره نحو الاستقلال.
إن دعم هذه الإرادة ليس انحيازًا لطرف ضد آخر، بل هو انحياز للمنطق، وللعدالة، وللسلام الدائم الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بإعطاء الحقوق لأصحابها. إن الجنوب القوي المستقر هو الركيزة الأساسية لأمن الخليج والجزيرة العربية، والطريق نحو ذلك يبدأ بالاعتراف الكامل بحق هذا الشعب في تقرير مصيره.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















