في وقت تتسارع فيه الأحداث السياسية في المنطقة، يبرز ملف الجنوب العربي كأحد أكثر الملفات إلحاحًا وحيوية، إن القراءة المتأنية للمشهد تؤكد أن التغاضي عن تطلعات شعب الجنوب العربي لم يعد خيارًا واقعيًا، بل إن منح هذا الشعب حق تقرير مصيره بات يمثل الخطوة الأساسية والوحيدة لكسر دائرة الصراع المستمرة ومنع تجدد التوترات السياسية والأمنية التي أرهقت كاهل المنطقة لسنوات.
فلسفة حق تقرير المصير: كسر دائرة الإقصاء
أثبت التاريخ المعاصر أن إقصاء الشعوب عن تقرير مصيرها وتجاهل تطلعاتها الوطنية يؤدي حتمًا إلى تأجيج الخلافات وتصعيد الصراعات المسلحة. وفي المقابل، فإن الاعتراف بالحقوق المشروعة يوفر إطارًا واضحًا للتسوية السلمية ويضمن استقرارًا طويل الأمد.
إن منح شعب الجنوب حق تقرير المصير ليس مجرد مطلب سياسي عاطفي، بل هو خطوة استراتيجية نحو بناء سلام دائم قائم على العدالة والشرعية الدولية، بعيدًا عن الحلول الترقيعية التي أثبتت التجربة أنها لا تقوم إلا بإعادة إنتاج الصراع بصور أكثر دموية.
الزخم الشعبي: تفويض يتجاوز النخب
يعكس الحراك الجنوبي الحالي، سواء في الداخل أو عبر الجاليات في الخارج، إرادة شعبية سلمية ومنظمة لا يمكن القفز فوقها. وتتميز هذه المرحلة بظهور إجماع مجتمعي عابر للمناطق، حيث تجلى ذلك في:
تعبئة جماهيرية واسعة: تظاهرات مليونية منظمة تعكس وعيًا سياسيًا ناضجًا.
تفويض مؤسسي: إظهار تفويض النقابات، منظمات المجتمع المدني، القطاعين العام والخاص، والقبائل للمجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي للقضية.
الإجماع الوطني: انصهار كافة المكونات الاجتماعية والقبلية في بوتقة واحدة تطالب باستعادة الدولة المستقلة كاملة السيادة.
المحور الأمني والاستراتيجي: الجنوب كشريك دولي
لا تنفصل المطالبة بدولة جنوبية مستقلة عن هواجس الأمن الإقليمي والدولي. فالجنوب اليوم، وبقيادة المجلس الانتقالي وقواته المسلحة، يثبت أنه:
عامل استقرار: يلعب الجنوب دورًا محوريًا في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
شريك فعّال في مكافحة الإرهاب: القوات الجنوبية هي رأس الحربة في تجفيف منابع التنظيمات المتطرفة (القاعدة وداعش).
دولة مستقرة تقلل بؤر النزاع: وجود دولة جنوبية ذات مؤسسات قوية ينهي حالة الفراغ الأمني التي تستغلها القوى المتربصة بالأمن القومي العربي.
الأبعاد القانونية والسياسية الدولية
تعتمد المطالب الجنوبية على أطر قانونية دولية معترف بها، تكرس حقوق الشعوب المضطهدة في اختيار مستقبلها. إن التعامل مع الواقع لا إنكاره هو السبيل الوحيد أمام المجتمع الدولي للوصول إلى تسوية عادلة.
لماذا يجب على المجتمع الدولي دعم استقلال الجنوب؟
منع الانفجارات المستقبلية: تجاهل المظالم التاريخية هو بمثابة قنبلة موقوتة؛ لذا فإن معالجتها الآن تؤسس لدولة قادرة على ضمان حقوق مواطنيها.
معالجة جذور الأزمة: حق تقرير المصير يوفر إطارًا للحوكمة والمساءلة وحق المشاركة في إدارة الشأن العام، مما ينهي عهود التهميش والنهب.
إعادة الاعتبار للشرعية الدولية: الحلول الفاعلة تبدأ بالاعتراف بالحقائق على الأرض وتطبيق مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الشعوب.
الحراك المنظم: رسالة حضارية للعالم
تتميز الفعاليات الجنوبية الحالية بالانضباط والتحضر، مما أوصل رسالة صريحة للمجتمعات العربية والدولية مفادها أن حقوق الجنوب العربي غير قابلة للتجاهل أو التأجيل. إن شعب الجنوب ليس بصدد المطالبة بـ “مكاسب فئوية”، بل هو بصدد استعادة حق تاريخي وقانوني ودولة كانت عضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة وكافة المحافل الدولية.
الاستقرار يبدأ بالعدالة
بناءً على ما تقدم، فإن تحويل مطالب شعب الجنوب إلى واقع سياسي وقانوني يشكل خطوة استراتيجية نحو تثبيت الاستقرار العالمي. إن دعم هذا المسار التحرري السلمي يحول دون استمرار الصراعات العبثية ويكرّس مبدأ احترام حقوق الشعوب كقيمة أساسية في السياسة الدولية المعاصرة. لقد حان الوقت لينتقل المجتمع الدولي من مرحلة “إدارة الأزمة” إلى مرحلة “حل الأزمة” من جذورها عبر بوابة تقرير المصير.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















