شهدت العاصمة عدن، وتحديدًا “ساحة الشهداء والعروض”، يومًا تاريخيًا مفصليًا في مسار القضية الجنوبية، حيث احتشدت جماهير غفيرة وقيادات عسكرية رفيعة لتوجيه رسالة مباشرة وحاسمة إلى القيادة السياسية.
وفي خطاب اتسم بالندية والقوة، طالب القائد العام لقوات الحزام الأمني، العميد محسن عبد الله الوالي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي، بضرورة المضي قدمًا وإعلان “دولة الجنوب العربي” كاستحقاق وطني لا يقبل التأجيل.
يأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبرى، مما يجعل من دعوات القيادات العسكرية في عدن، ولحج، وأبين، بمثابة “تحديد مصير” يرتكز على إرادة شعبية صلبة وتضحيات جسيمة قدمها أبطال القوات المسلحة الجنوبية.
العميد الوالي: الجبهات والميادين تؤيد الموقف السياسي
في كلمته أمام الحشود في ساحة العروض، أكد العميد محسن الوالي أن القوات العسكرية المرابطة في الجبهات ليست بعيدة عن المشهد السياسي، بل هي الحامي والداعم الأول له. وقال الوالي: “إننا من ساحة الشهداء والعروض والحرية نطالب القائد عيدروس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي”، مشيرًا إلى أن جميع المقاتلين في الميادين جاءوا لتأكيد تفويضهم الكامل للقيادة السياسية لاتخاذ هذا القرار التاريخي.
وتعكس هذه المطالبة حالة من التناغم الفريد بين “البندقية” و”السياسة” في الجنوب، حيث يرى القادة العسكريون أن الوقت قد حان لترجمة الانتصارات الميدانية إلى واقع سياسي ملموس يتمثل في استعادة الدولة كاملة السيادة.
أمن لحج: رسالة كافية وشافية لمن يهمه الأمر
من جانبه، وصف مدير أمن محافظة لحج، العميد ناصر الشوحطي، هذا التجمهر العظيم بأنه أبلغ من أي كلام. وأكد الشوحطي في تصريحاته أن هذا الاحتشاد الشعبي والعسكري يمثل “إرادة ومصير شعب”، وهي رسالة موجهة للداخل والخارج على حد سواء.
وأوضح الشوحطي أن الصمت في مثل هذه المواقف يفسره هدير الجماهير، مؤكدًا الولاء المطلق للقيادة السياسية ممثلة بالرئيس الزبيدي ونائبه الرئيس عبد الرحمن المحرمي (أبو زرعة)، مشددًا على أن القوات الأمنية في لحج والجنوب عامة تقف صفًا واحدًا خلف هذه القيادة لتحقيق تطلعات الشعب.
العميد جلال الربيعي: لا بديل عن تضحيات الشهداء إلا “الدولة”
وفي السياق ذاته، رفع أركان الحزام الأمني وقائد حزام العاصمة عدن، العميد جلال الربيعي، سقف التحدي، مؤكدًا أنه لا عزة لأي إنسان لا يعتز بوطنه ولا يذود عنه. وقال الربيعي بلهجة حازمة: “لا بديل عن تضحيات الشهداء الأبطال إلا بإقامة دولة جنوبية ذات سيادة”.
ووجه الربيعي رسالة عهد للشعب الجنوبي ولأسر الشهداء، مؤكدًا أن القوات المسلحة لن تتراجع مهما كانت المخاطر، واضعًا معادلة (النصر أو الشهادة) كشعار للمرحلة المقبلة، قائلًا: “إما نعيش أسياد فوق أرضنا، أو نموت أحرارًا تحت تراب وطننا”.
الأبعاد السياسية لمطالب إعلان “دولة الجنوب” في 2025
يرى مراقبون أن هذه الدعوات العلنية من قبل قادة عسكريين بمكانة الوالي والربيعي والشوحطي، تحمل دلالات استراتيجية هامة:
التفويض المطلق: تعزيز موقف الرئيس عيدروس الزبيدي في أي مفاوضات قادمة عبر إظهار قوة الحاضنة الشعبية والعسكرية.
الرد على التسويات المنقوصة: رفض أي حلول سياسية لا تضمن استعادة دولة الجنوب بحدودها ما قبل عام 1990.
الجاهزية العسكرية: إرسال إشارة واضحة لكل الأطراف بأن القوات الجنوبية جاهزة لحماية أي قرار سياسي بإعلان الدولة وفرضه على أرض الواقع.
ساحة العروض.. رمزية المكان ودلالة الزمان
اختيار “ساحة العروض” في خور مكسر لإطلاق هذه المطالب ليس عفويًا؛ فهي الساحة التي شهدت انطلاق شرارة الحراك الجنوبي، وهي المكان الذي تعمد بدماء الشهداء. واحتضانها لهذا الجمع الغفير في نهاية عام 2025 يؤكد أن القضية الجنوبية تمر بمرحلة “المخاض الأخير” نحو الاستقلال.
إن المطالبة بإعلان دولة الجنوب العربي من قلب العاصمة عدن وعلى لسان كبار قادة الحزام الأمني، تمثل تحولًا نوعيًا في خطاب القوة الجنوبي. لم تعد المطالب تقتصر على “تحسين الأوضاع” أو “المشاركة في الحكم”، بل انتقلت إلى المطالبة الصريحة والعلنية بفك الارتباط واستعادة السيادة. وتبقى الكرة الآن في ملعب القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي للتعامل مع هذا الزخم الشعبي والعسكري الذي يطالب بـ “ساعة الصفر” لإعلان الدولة.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

















