في تطور سياسي لافت أثار موجة من الردود الغاضبة في الأوساط الجنوبية والعربية، خرج نائب وزير الخارجية اليمني السابق، مصطفى النعمان، بتصريحات وُصفت بـ “الخطيرة”، أعلن فيها استعداد من أسماهم “الوحدويين اليمنيين” للتحالف مع جماعة الحوثي (ذراع إيران في المنطقة) تحت ذريعة “حماية الوحدة اليمنية”.
هذه التصريحات لم تكن مجرد رأي عابر، بل اعتبرها مراقبون بمثابة كشف للقناع عن تفاهمات باطنية تهدد ثوابت المعركة المصيرية ضد المشروع التوسعي الإيراني.
ابتزاز التحالف العربي وسقوط الأقنعة
تمثل تهديدات مصطفى النعمان بالتحالف مع الحوثيين طعنة في خاصرة الجهود التي تبذلها دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فبينما تسعى هذه الدول لتأمين المنطقة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي تنطلق من جغرافيا اليمن، يأتي “المفتي الدبلوماسي” ليعرض التحالف مع تلك المليشيات التي تهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويرى المحللون أن هذه التصريحات تحمل في طياتها “ابتزازًا سياسيًا” صريحًا لدول التحالف؛ حيث يلوح النعمان بإسقاط الأساس القانوني لتدخل التحالف (المتمثل في إنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية) ما لم تتبنَّ هذه الدول العقيدة “الوحدوية” التي تفرضها النخب الشمالية، حتى وإن كان ذلك على حساب تسليم البلاد للمشروع الإيراني.
من “فتاوى التكفير” إلى “التحالف المليشاوي”
ربط المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، أنور التميمي، بين تصريحات النعمان وبين الحقبات الدموية السابقة التي استهدفت الجنوب. فالتاريخ يعيد نفسه؛ حيث اعتمدت نخب عام 1994 على فتاوى “اليدومي” و”الزنداني” لاستباحة دماء الجنوبيين بذريعة “الردة والانفصال”. واليوم، يظهر النعمان ليلعب دور “المفتي الدبلوماسي” الذي يستبدل “الأفغان العرب” بـ “المليشيات الحوثية” لضرب تطلعات شعب الجنوب العربي.
أوجه التشبه بين الخطابين:
استخدام الدين/العقيدة: قديمًا استُخدم التكفير، وحديثًا تُستخدم “قدسية الوحدة” لتبرير التحالف مع الانقلابيين.
الاستقواء بالخارج: قديمًا استُخدم المقاتلون الأجانب، واليوم يتم الاستنجاد بالمشروع الإيراني وأدواته المحلية.
تجاهل إرادة الشعوب: الإصرار على فرض شكل الدولة بالقوة العسكرية وتجاهل واقع الأرض.
تفنيد الأهداف المعلنة لـ “عاصفة الحزم”
تناسى النعمان ومن خلفه من “الوحدويين” أن أهداف عاصفة الحزم كانت واضحة ومحددة:
إنهاء الانقلاب الحوثي: الذي انقلب على التوافق السياسي بقوة السلاح.
إعادة الشرعية إلى صنعاء: لتكون دولة ضامنة للاستقرار وليست منصة تهديد للجيران.
تأمين الأمن القومي العربي: من التغلغل الإيراني.
لم تكن “العاصفة” يومًا تهدف لفرض صيغة حل نهائي أو إجبار الجنوبيين على البقاء في وحدة منتهية الصلاحية، بل كان الهدف هو تحرير الأرض من المليشيات، وهو ما حققه الجنوبيون بإسناد مباشر من السعودية ومشاركة عملياتية بطولية من الجيش الإماراتي على الأرض.
تأمين الجنوب: ضرورة سيادية لا تقبل المساومة
جاءت تصريحات النعمان لتؤكد صوابية التوجه الذي انتهجه المجلس الانتقالي الجنوبي. ففي ظل هذا “الاستعداد للتحالف مع الحوثي”، بات تأمين جغرافيا الجنوب بحدود ما قبل عام 1990 ضرورة أمنية وجودية وليست مجرد مطلب سياسي.
لقد اتخذ المجلس الانتقالي سلسلة من الإجراءات تشمل:
الإجراءات العسكرية: تعزيز الجبهات ومنع أي اختراق مليشاوي.
الإجراءات الإدارية والسياسية: تثبيت ركائز الإدارة الذاتية وتفعيل مؤسسات الدولة الجنوبية.
مكافحة “التقية السياسية”: كشف العناصر التي تعمل ضمن “الشرعية” وهي تحمل ولاءات مبطنة للمشروع الحوثي أو الوحدوي المتطرف.
الأبعاد الأمنية لتهديدات النعمان
إن حديث النعمان من قلب عاصمة التحالف العربي يمثل “تحديًا صارخًا” للأمن القومي العربي. فالاصطفاف مع الحوثي يعني تلقائيًا الاصطفاف مع طهران، وهو ما يضع “الوحدويين” في خندق واحد مع من يستهدفون مكة المكرمة والرياض والمدن الخليجية بالصواريخ.
هذا التحول يكشف أن “العقيدة الوحدوية” بالنسبة لهؤلاء تفوق في أهميتها العقيدة الوطنية أو الالتزام تجاه الحلفاء العرب، مما يستوجب على المجتمع الدولي والتحالف العربي إعادة تقييم الشركاء في الداخل اليمني.
المرحلة تتطلب معالجات جذرية
إن تصريحات مصطفى النعمان وضعت الجميع أمام الحقيقة المرة: أن النخب التي تدعي الدفاع عن “الوحدة” مستعدة لبيع المنطقة بأكملها لإيران مقابل بقاء سيطرتها على مقدرات الجنوب. لذا، فإن المعالجات الجذرية التي يطالب بها المجلس الانتقالي الجنوبي لم تعد تقبل التأجيل، وأهمها:
الاعتراف بحق تقرير المصير: كحل وحيد لمنع تحالف “الضرورة” بين الوحدويين والحوثيين.
تمكين الجنوبيين سياسيًا وعسكريًا: لضمان وجود شريك حقيقي وصادق في مواجهة التوسع الإيراني.
تطهير مفاصل القرار: من العناصر التي تمارس “التقية السياسية” وتنسق سرًا مع المليشيات الانقلابية.
بناءً على ما تقدم، يظل شعب الجنوب العربي بقيادته السياسية والعسكرية هو الضمانة الحقيقية الوحيدة لحماية الأمن القومي في هذه البقعة الحساسة من العالم، بعيدًا عن صفقات الابتزاز والتحالفات المشبوهة.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

















