تشهد العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية تحولًا جذريًا في المشهد السياسي والإداري، وصفه مراقبون بـ “نقطة اللاعودة”. ففي خطوة غير مسبوقة تقوض أركان الشرعية السابقة، أعلنت مفاصل الدولة الحيوية من وزارات وهيئات وسلطات محلية فك ارتباطها الإداري والسياسي بالمنظومة السابقة، معلنةً اصطفافًا علنيًا خلف المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس بن قاسم الزُبيدي.
هذا التحول لم يكن مجرد رد فعل سياسي، بل جاء كترجمة مؤسسية لإرادة شعبية جارفة ملأت ساحات الجنوب، مطالبة باستعادة دولة الجنوب العربي كاملة السيادة.
الاصطفاف الوزاري: 16 وزارة تحسم موقفها الوطني
في لحظة فارقة من تاريخ الجنوب الحديث، أعلنت 16 وزارة حكومية، ببيانات رسمية متزامنة، التزامها الكامل بالعمل تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي. ولم يقتصر الإعلان على الوزراء فحسب، بل شمل نواب الوزراء، والوكلاء، وقيادات الصف الأول في العمل الإداري.
أكدت هذه الوزارات في بياناتها أن القوات المسلحة الجنوبية هي الضامن الوحيد للأمن والاستقرار، وهي الحامل الميداني لإرادة الشعب التي لا تقبل المساومة. ويرى محللون أن هذا الإعلان يمثل انتقال “قضية الجنوب” من مرحلة التظاهر والمطالبة الشعبية إلى مرحلة القرار المؤسسي والسيادي.
قائمة الوزارات المنضمة للحراك المؤسسي:
شملت القائمة وزارات سيادية وخدمية تمثل عصب الدولة، منها:
وزارة النقل والأشغال العامة والطرق.
وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.
وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
وزارة الكهرباء والطاقة والصحة والسكان.
وزارة العدل والشؤون القانونية وحقوق الإنسان.
وزارة الإدارة المحلية والشباب والرياضة.
استعادة دولة الجنوب العربي: من الميدان إلى القرار السيادي
شددت القيادات الحكومية الجنوبية على أن إعلان دولة الجنوب العربي لم يعد مجرد شعار أو خيار سياسي مؤجل، بل أصبح استحقاقًا وطنيًا تفرضه الوقائع على الأرض. وأشارت البيانات إلى أن انسداد أفق الحلول السياسية التي تجاهلت مطالب الجنوبيين طيلة عقود، وتحديدًا منذ حرب صيف 1994م، هو ما دفع المؤسسات لاتخاذ هذا الموقف التاريخي.
وجاء في التقارير الواردة من عدن أن “الوحدة اليمنية” تحولت إلى عبء ثقيل أدى إلى تهميش ممنهج وإقصاء سياسي وتدمير للنية التحتية، مما جعل استعادة الدولة ضرورة وجودية لضمان مستقبل الأجيال القادمة.
استمرارية الخدمات: رسائل طمأنة للداخل والخارج
رغم حساسية هذا التحول الكبير، حرصت الوزارات والهيئات الحكومية في العاصمة عدن على إرسال رسائل طمأنة واضحة. حيث أكدت على:
الانضباط الوظيفي: استمرار العمل الإداري في كافة مرافق الدولة بصورة طبيعية.
استدامة الخدمات: ضمان تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين (كهرباء، صحة، مياه) دون انقطاع.
الاستقرار المؤسسي: اعتبار الحفاظ على مؤسسات الدولة جزءًا أصيلًا من معركة استعادة الدولة وبنائها على أسس حديثة.
هذا الوعي الإداري العالي يعكس رغبة المجلس الانتقالي في تقديم نموذج حكم رشيد يختلف عن حقبة الفساد والغياب التي عانت منها عدن والمحافظات الجنوبية.
السلطات المحلية تدخل خط الحسم
لم يتوقف الزخم عند حدود الوزارات، بل امتد ليشمل القاعدة الإدارية في المحافظات. أعلنت السلطات المحلية في كل من:
العاصمة عدن (بقيادة وزير الدولة المحافظ).
محافظة الضالع.
محافظة سقطرى.
محافظة أبين.
تأييدها المطلق للمجلس الانتقالي والقوات المسلحة الجنوبية. وتفيد مصادر مطلعة أن محافظات أخرى مثل حضرموت وشبوة والمهرة تشهد مشاورات مكثفة لإعلان مواقف مماثلة، مما يعني تشكّل إجماع جنوبي شامل يتجاوز النخب السياسية ليصل إلى عمق الجهاز الإداري للدولة.
دعوة للمجتمع الدولي والتحالف العربي
في سياق هذا التحول، وجه المسؤولون الجنوبيون دعوة مباشرة وصريحة إلى المجتمع الدولي والتحالف العربي. تضمنت الدعوة ضرورة احترام تطلعات شعب الجنوب وتمكينه من ممارسة حقه السياسي المشروع.
وأكد المسؤولون أن استقرار المنطقة يبدأ من الاعتراف بالواقع الجديد في الجنوب، وأن التجاهل المستمر لإرادة الجنوبيين لم يعد ممكنًا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. كما شددوا على دور الجنوب كشريك أساسي في مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات الملاحية الدولية.
أسباب الانفجار المؤسسي: الفساد والغياب
أرجعت القيادات الجنوبية هذا التحرك المتسارع إلى عدة عوامل تراكمية، أبرزها:
تفاقم الفساد: استشراء الفساد في منظومة الحكومة السابقة ونهب الموارد.
الغياب عن الميدان: وجود عدد كبير من الوزراء والمسؤولين خارج البلاد، بعيدًا عن معاناة المواطنين.
الأزمة الاقتصادية: تدهور العملة وانهيار الخدمات الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
هذه العوامل عمقت القناعة لدى الكادر الإداري للدولة بضرورة الاصطفاف خلف قيادة “حاضرة على الأرض” تمتلك الرؤية والإرادة السياسية، وهو ما وجدوه في المجلس الانتقالي الجنوبي.
نحو فجر جديد للجنوب العربي
يمثل هذا الإعلان الجماعي من مؤسسات الدولة في عدن تتويجًا لسنوات من النضال السلمي والعسكري. إنها لحظة “الحسم المؤسسي” التي تضع حدًا لحالة الازدواجية في السلطة. ومع هذا الالتفاف الشعبي والنخبوي حول الرئيس عيدروس الزُبيدي، يبدو أن الجنوب يمضي بخطى ثابتة نحو رسم ملامح دولته القادمة، بعيدًا عن صراعات الماضي، وبناءً على شراكة وطنية حقيقية تضمن الأمن والاستقرار والتنمية لكافة أبنائه.
إن ما يحدث اليوم في عدن ليس مجرد تغيير في الولاءات، بل هو إعادة صياغة للتاريخ، وإعلان رسمي عن ميلاد واقع سياسي جديد يضع مصلحة الجنوب العربي فوق كل اعتبار.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















