لم يعد الاعتراف بعدالة قضية شعب الجنوب العربي كافيًا إذا ظل حبيس الخطابات السياسية والبيانات العامة، دون أن يُترجم إلى مسار عملي واضح المعالم.
فالتجارب السابقة أثبتت أن الاكتفاء بالإقرار اللفظي بالحقوق لا يلبّي تطلعات الشعوب ولا يعالج جذور الأزمات، بل قد يتحول إلى أداة لامتصاص الغضب وإطالة أمد الصراع. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة للانتقال من مستوى الاعتراف السياسي إلى مسار تنفيذي يستند إلى جدول زمني وضمانات حقيقية للتمكين السياسي.
تحويل قضية شعب الجنوب من شعار متداول إلى مشروع سياسي قابل للتنفيذ يتطلب أولًا تحديد مسار تفاوضي جاد، يقوم على مبدأ أن الحوار ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى نتيجة واضحة.
والحوار الجاد، في هذا السياق، هو ذلك الذي ينتهي بتمكين شعب الجنوب من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ويفتح الطريق أمام قيام دولة جنوبية كاملة السيادة، تعبر عن الإرادة الشعبية الحرة، وتستعيد موقعها الطبيعي في الإقليم والمجتمع الدولي.
ويُعد وجود جدول زمني محدد أحد أهم عناصر المصداقية لأي عملية سياسية، فغياب الإطار الزمني يجعل المسارات مفتوحة على التسويف والمراوحة، ويضعف ثقة الشارع الجنوبي، بينما الالتزام بمراحل واضحة ومعلنة، تبدأ بإجراءات بناء الثقة، وتصل إلى ترتيبات سياسية وقانونية نهائية، فإنه يرسخ القناعة بأن القضية تسير نحو حل عادل، لا نحو إدارة مؤقتة للأزمة.
كما أن التمكين السياسي يشكل ركيزة أساسية في هذا المسار، ويشمل ضمان مشاركة ممثلي الجنوب في أي عملية تفاوضية باعتبارهم طرفًا رئيسيًا لا هامشيًا، إضافة إلى تمكين المؤسسات الجنوبية من أداء دورها السياسي والإداري بحرية ومسؤولية. فالدولة لا تُبنى بالوعود، بل بالمؤسسات والقدرة على اتخاذ القرار.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، فإن وضوح المسار وشفافيته يعززان القناعة بأن قيام دولة جنوبية مستقلة ليس عامل اضطراب، بل عنصر استقرار. فالحلول النهائية العادلة هي وحدها القادرة على إنهاء الصراعات المزمنة، وفتح آفاق تعاون سياسي وأمني واقتصادي قائم على المصالح المشتركة.
وبالتالي فإن الانتقال من الاعتراف النظري بعدالة قضية شعب الجنوب العربي إلى مسار عملي بجدول زمني وضمانات واضحة هو الطريق الأقصر لتعزيز الثقة، وترسيخ قناعة الرأي العام الجنوبي والإقليمي والدولي بأن الحوار الحقيقي هو الذي ينتهي بدولة جنوبية كاملة السيادة، لا بتسويات مؤجلة أو حلول منقوصة.















