في خضم التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، جاء بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الأخير ليحدث زلزالًا في المشهد السياسي، كاشفًا بوضوح غير مسبوق عن حجم التآمر المستتر في الخطاب اليمني الرسمي. لم يعد الأمر مجرد تكهنات، بل وضع المجتمعين الإقليمي والدولي أمام حقيقة مواقف لم تعد قابلة للتأويل، بعد أن أسقطت التصريحات الرسمية آخر أوراق التوت عن مشروع “الوحدة” الذي تحول من شعار سياسي إلى أداة للابتزاز والتحالف مع الإرهاب.
تصريح النعمان: إعلان “التحالف الشيطاني” تحت مسمى الوحدة
شكّل تصريح نائب وزير الخارجية اليمني، مصطفى النعمان، الذي أبدى فيه استعداد من وصفهم بـ “الوحدويين اليمنيين” للتحالف مع مليشيا الحوثي بذريعة حماية الوحدة، نقطة تحول خطيرة. هذا المنطق لا يمثل فقط انحدارًا دبلوماسيًا، بل هو إعادة إنتاج لمنطق التحالفات الانتهازية التي ضحّت بالأمن القومي العربي لحساب أطماع ضيقة.
الجنوب ينظر إلى هذا التهديد بوصفه اعترافًا سياسيًا صريحًا بأن القوى اليمنية باتت مستعدة لإعلان التحالف المباشر مع ذراع إيران في المنطقة، لمحاربة الجنوب العربي وعرقلة تحركاته نحو تثبيت مكتسباته السياسية وتعميق مساره التحرري.
ازدواجية الخطاب وفشل “الوهم الوحدوي”
هذا الموقف التحريضي لا يكشف فقط ازدواجية الخطاب اليمني، بل يفضح أيضًا هشاشة المشروع الوحدوي الذي يُقدَّم كقيمة وطنية في “وهم” يروجه أنصار هذا المشروع. الحقيقة العملية التي تكشفت هي أن هذا المشروع يُستخدم كأداة للهيمنة والإقصاء، وعندما فشل في إقناع الشعب الجنوبي، لجأ أصحابه إلى التهديد بالاستعانة بمليشيات إرهابية انقلبت على الدولة ذاتها.
إن خطورة هذا التصريح لا تكمن في مضمونه السياسي فحسب، بل في دلالته العميقة على حجم “الرعب” الذي تعيشه تلك القوى نتيجة ما حققه المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي من حضور داخلي، وتماسك شعبي، واعتراف سياسي متزايد في المحافل الدولية.
الجنوب في مواجهة مشروع “إجهاض الإرادة”
التلويح بالتحالف مع المليشيات الحوثية الإرهابية، بما تمثله من تهديد صارخ للأمن الإقليمي والملاحة الدولية، يكشف أن استهداف الجنوب بات أولوية تتقدم على أي اعتبارات وطنية أو أخلاقية لدى تلك القوى. وهذا يؤكد للعالم أن الجنوب لا يواجه مجرد خلاف سياسي عابر، بل مشروعًا منظمًا يهدف إلى:
إجهاض إرادة شعب الجنوب: ومنعه من استعادة دولته كاملة السيادة.
مقايضة الأمن الإقليمي: تهديد دول الجوار بالتحالف مع إيران مقابل بقاء الهيمنة على مقدرات الجنوب.
إشعار الفوضى: الهروب من الاستحقاقات السياسية عبر إشعال جبهات صراع جديدة.
المجلس الانتقالي: القوة العقلانية في مواجهة العبث
في مقابل هذا الخطاب العدائي الذي يعكس انتقال قوى الاحتلال من مرحلة “الإنكار” إلى مرحلة “المكاشفة”، يقدّم المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه كقوة عقلانية ومسؤولة. يلتزم المجلس بالمسار السياسي السلمي، ويسعى بجدية إلى حماية أمن الجنوب والمنطقة، بعيدًا عن منطق التحالفات العبثية التي ترهن سيادة الأوطان للقوى الخارجية.
بيان المجلس الانتقالي لم يكن مجرد رد فعل على تصريح عابر، بل وضعه في سياقه الاستراتيجي الصحيح؛ بوصفه دليلًا إضافيًا على أن معركة الجنوب اليوم هي “معركة وعي وكشف للحقائق”. هذا الوضوح الجنوبي يعزز من شرعية قضية شعب الجنوب، ويؤكد أن المكتسبات التي تحققت على الأرض هي نتيجة نضال صلب أقلق مضاجع القوى المعادية.
دلالات التحول من “التقية” إلى “المكاشفة”
إن خروج هذه التصريحات من عواصم القرار للتحالف العربي يمثل قمة الاستهتار بالجهود الدولية لإحلال السلام. لقد مارس هؤلاء “التقية السياسية” لسنوات، مدعين العداء للحوثيين بينما كانت قنوات التواصل والاتفاقات الضمنية قائمة. واليوم، مع ثبات الموقف الجنوبي وقرب تحقيق تطلعات الشعب، لم يعد أمامهم سوى التهديد بالتحالف العلني مع الحوثي.
الانعكاسات على الأمن القومي العربي
هذا التحالف المحتمل بين “الوحدويين” والحوثيين يضع الأمن القومي العربي في خطر داهم، حيث:
يفتح الباب لتمدد النفوذ الإيراني في المناطق المحررة تحت ذريعة “الوحدة”.
يهدد استقرار مضيق باب المندب وخطوط الطاقة العالمية.
يفرغ “عاصفة الحزم” من محتواها عبر التحالف مع الطرف الذي جاءت العاصفة لإنهاء انقلابه.
الجنوب العربي والرؤية الثابتة
ختامًا، يثبت الواقع أن الاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بالاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره. إن التهديدات بالتحالف مع الإرهاب لن تزيد الجنوبيين إلا إصرارًا وتماسكًا خلف قيادتهم السياسية. لقد ولى زمن فرض المشاريع بالقوة، والجنوب اليوم يمتلك القوة العسكرية، والوعي الشعبي، والشرعية المؤسسية التي تمكنه من كسر أي “تحالفات شيطانية” تستهدف وجوده.
إن معركة الجنوب هي معركة استقرار المنطقة بأكملها، والوقوف مع المجلس الانتقالي اليوم هو الوقوف في خندق الدفاع عن الأمن القومي العربي ضد التغلغل الإيراني وأدواته، مهما تعددت مسمياتها أو أقنعتها الدبلوماسية.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

















