
بعد 11 عاماً من اعتقال آلاف المعارضين السياسيين، وفشل كل المحاولات وتلاشي الآمال بالإفراج عنهم، أطلق أهالي السجناء مبادرة موجهة إلى السلطات، بدعم من شخصيات سياسية وحقوقية، تشكل شعاع أمل لعشرات الآلاف من الأسر في مصر.
وتهدف المبادرة التي انطلقت قبل أيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى إنهاء معاناة الأهالي بالإفراج عن أحبائهم بشروط وضوابط ترضي الدولة، ما يمثل خطوة جديدة نحو معالجة أزمة الاعتقال السياسي المستمرة في البلاد.
النداء من خلال الحوار الوطني
واتخذت المبادرة خطوة مهمة بإرسال نداء رسمي إلى صفحة “الحوار الوطني” على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بتبني ندائهم رسميا وإيصال أصواتهم إلى الجهات المعنية.
عرض الأخبار ذات الصلة
وجاء نداء أهالي السجناء بالتزامن مع جلسة الحوار الوطني التي ناقشت قضية الحبس الاحتياطي، حيث يعاني عشرات الآلاف من السجناء في مصر من هذا النوع من الاحتجاز، ومن المقرر أن تواصل جلسات الحوار الوطني مناقشتها لهذه القضية السبت المقبل.
التفاعل والدعم السياسي والقانوني
وحظيت مبادرة أهالي الأسرى بتفاعل واسع، حيث وصل عدد الموقعين على استمارة المبادرة إلى 5 آلاف توقيع خلال 3 أيام فقط من فتحها.
وشهدت المبادرة تضامنا كبيرا من الشخصيات السياسية والحقوقية، حيث انضم ودعم النداء النائب عبد المنعم إمام، والمحامي طارق العوضي عضو لجنة العفو الرئاسي، والوزير السابق كمال أبو عيطة عضو لجنة العفو الرئاسي.
آلام أهالي المعتقلين
وشاركت عينة صغيرة من أهالي السجناء قصصهم مع المجتمع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مسلطين الضوء على حجم المعاناة التي يعيشونها بسبب غياب أحبائهم.
وتمثل هذه المبادرة خطوة مهمة نحو إنهاء معاناة آلاف الأسر، وتؤكد على أهمية العمل الجماعي والدعم من مختلف الأطراف لإيجاد حلول عادلة لقضية الحبس الاحتياطي.
حياد المبادرة
وتباينت ردود الفعل على المبادرة بين التأييد والمعارضة والحياد، فرغم أنها تدعو إلى إغلاق أحد أهم ملفات حقوق الإنسان المهدرة في مصر من أجل لم شمل آلاف الأسر، فإنها تهدر حقوق وكرامة آلاف المعتقلين الأبرياء وتضعهم تحت ضغوط وظروف غير مبررة.
وعبرت زوجة أحد الصحافيين الموقوفين احتياطياً منذ سنوات عن حيادها تجاه المبادرة، مدعية أن “النظام غير معني بمثل هذه المبادرات التي سبقتها دعوات ومناشدات ومبادرات كثيرة، ولا يكترث بحياة آلاف المعتقلين أو ظروف اعتقالهم المزرية رغم الوفيات الكثيرة نتيجة الإهمال وانعدام الرعاية الطبية، ويتعمد إذلالهم وإضعافهم”.
عرض الأخبار ذات الصلة
وتضيف الزوجة التي طلبت عدم ذكر اسمها لـ«عرب تايم»: «إذا كنا نخشى الحديث عن المعتقلين، فهل نتوقع من النظام أن يستمع إلينا؟ أنا أرى ذلك مجرد وسيلة لإذلال الأهالي. كل ما أتمناه أن يُطلق سراح زوجي مرفوع الرأس، دون أي منحة أو فضل من أحد، كما أُطلق سراحه من قبل».
مبادرة بدون آذان صاغية
في المقابل، قالت إحدى زوجات السجين المحكوم عليه بالسجن المؤبد إنها «تؤيد أي مبادرة أو حل مهما كان لإخراج الناس من السجون، حتى لو كان شرطه الابتعاد عن السياسة، لأنه لا يوجد مناخ صحي للسياسة في مصر، وأعمار الشباب والنساء والناس داخل السجون أهم 100 مرة من ممارسة السياسة، خاصة أن هناك الآلاف داخل السجون لا علاقة لهم بالسياسة على الإطلاق».
لكنها استبعدت في تصريحات لـ”عرب تايم”، طلبت عدم ذكر اسمها، أن “تجد الدعوة صدى لدى النظام الحالي وتلاقي نفس مصير المبادرات والدعوات السابقة، فإذا كان النظام مرعوباً وخائفاً من أي مواطن يكتب رأيه على مواقع التواصل الاجتماعي ويتم اعتقاله، فهل تتوقعون منه أن يتبنى مبادرة للإفراج عن المعتقلين؟ فهو يعتقل كل يوم المزيد”.
وعبرت عن شكوكها في رد فعل النظام، مؤكدة أن “النظام لا يزال في حالة عداء مع أي خصم سياسي حتى لو كان خصما نظيفا، لذلك لا أعتقد أنه سيفرج بسهولة عن آلاف المعتقلين، إنها مجرد زوبعة في فنجان ستأخذ وقتها على المنصات وتختفي من تلقاء نفسها، لكن ليس أمامنا خيار سوى اتخاذ الإجراءات اللازمة وطرق كل الأبواب والتشبث بحواف الأمل المفقود”.
عودة اعتقال المفرج عنهم
سياسيا، يقول القيادي السابق في حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين محمد سودان: “لم تصلني معلومات واضحة عن هذه المبادرة حتى الآن، ولكن من خلال تواصلي مع مصر، هناك ضغوط شديدة، وللأسف اعتقالات مكثفة في هذا الوقت، خاصة مع المفرج عنهم والذين قضوا فترة في السجون، بل إن هناك مجموعة منهم قضوا مدة سجنهم وفقا للأحكام التي صدرت ضدهم ظلماً وبهتاناً، ورغم ذلك تم اعتقالهم مرة أخرى خلال الأيام القليلة الماضية”.
وأضاف لـ”عرب تايم”: أما عن رأيي الشخصي تجاه هذه المبادرة، فأنا لا أقلل من أي جهد يبذله أي شخص أو جماعة أو مؤسسة للإفراج عن ذويهم، وبالطبع كل إنسان سواء كان ينتمي إلى الجماعة أو أي تنظيم أو حزب آخر له الحق في اتخاذ قراره بشأن حريته أو ممارسة العمل السياسي أم لا.
وأعرب عن شكوكه في قبول النظام لأي مبادرة، قائلا: “لكن في نفس الوقت لا أثق في أي وعد أو تصريح قد يقدمه عبد الفتاح السيسي أو أي شخص تابع له أو لنظامه، فجميعهم لا يحترمون وعودهم ولا قوانين الدولة ولا حتى ميثاقها الذي كتبوه بأقلامهم، كما لا يحترمون أي قوانين دولية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان”.
الكرة في ملعب النظام
قانونيا، كشف الناشط الحقوقي أحمد العطار: «الحقيقة أننا تلقينا نص المبادرة من بعض الأهالي والزملاء الحقوقيين، والمبادرة جيدة في مجملها، وأتمنى أن يؤخذ ما فيها في الاعتبار وأن يدرسها النظام المصري وينفذها، خاصة أنها تتفق مع بعض الأطروحات التي أطلقها النظام من خلال طرحه للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 2021 والمبادرات والنقاشات التي دارت منذ أشهر في الحوار الوطني دون تحقيق أهداف حقيقية منها ومن العمل على «إنهاء ملف المعتقلين الذين مضى على حبسهم سنوات».
وعلى المستوى الشخصي، أوضح لـ«عرب تايم»: «أنا شخصياً أرى أنها فرصة ذهبية للنظام لتخفيف الضغوط عليه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك نحو 20 ألف شخص قيد الحبس الاحتياطي، وكثير منهم تجاوزوا المدة القصوى للحبس الاحتياطي، وبالتالي يتحقق التوازن في المصالح بين الطرفين، وإن كانت مصلحة النظام أكبر، خاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي إزاء الأداء الاقتصادي المروع».
أما بالنسبة للمحكومين بأحكام ثقيلة، أو قيادات الإخوان المسلمين، أو السياسيين والنشطاء البارزين، فقد أعرب العطار عن توقعه بأن النظام لن يشركهم في أي مبادرة، ولن يفرج عنهم لأسباب عديدة.

















