
يقول المخططون الاستراتيجيون أنه إذا أراد عدوك أن تسلك طريقا ما، فيجب عليك أن تسلك طريقا مختلفا حتى لا تقع في فخه، وتكون قادرا على رسم خططك بهدوء للرد على الهجمات، وتحقيق النجاح المطلوب، والحفاظ على المكاسب بأقل خسائر ممكنة.
لا يتوقف اليمين المتطرف في بريطانيا وأوروبا عموماً عن مهاجمة المهاجرين والأقليات من كل الأطياف، وتشتد هذه الهجمات خلال أي انتخابات في محاولة لشيطنتهم وتصويرهم كعبء على المجتمع وتهديد لهويته، مستغلين الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد وكأنهم سبب الكارثة التي حلت بالبلاد.
اليمين المتطرف خطر كبير ومحدق يستغل أي ظرف تمر به البلاد لتمرير برامجه السامة، وقد أثبتت الانتخابات في بريطانيا ودول أوروبية أنه قادر على إقناع فئة تلو الأخرى في المجتمع ببرامجه، والدليل على ذلك فوزهم بمقاعد لم يفوزوا بها في دورات انتخابية سابقة.
إن ردة الفعل الغريزية وغير المدروسة لهذه الفئات المستهدفة خلال فترة الانتخابات هي الانضمام تحت رايات عرقية أو دينية لها برامج خاصة تخدم هذه الفئات ولا تعبر عن كونها مواطنة في مجتمع تعددي، وبذلك نجح هذا الحق في عرقلة هذه الفئات وجرها إلى مربعه، وبالتالي زيادة عزلتها لتسهيل استهداف مرشحيها وبالتالي إسقاطها.
لقد أظهرت الانتخابات العامة التي جرت قبل أيام ارتجالاً بإطلاق حملات تحت عناوين تتعلق بالأقليات، وكان من المفترض، بعد سنوات من التجارب والتحالفات المميزة التي تشكلت لخدمة قضايا عديدة، أن تدفع نحو تشكيل تحالف يتفق فيه الناس على برنامج مشترك يؤدي إلى توجيه الناس لانتخاب المرشح الأنسب في هذه الدائرة أو تلك.
إن الأغلبية الساحقة من الناس في الدوائر الانتخابية والمجتمع البريطاني بشكل عام يتفقون على احترام القانون واحترام حرية المعتقد والتمسك بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فما هو مبرر الانسحاب تحت رايات دينية أو عرقية غير أنه اندفاع نحو المسار الخاطئ الذي رسمه اليمين المتطرف، والذي يؤدي في النهاية إلى تشتت الأصوات وضياع الجهود؟
لا ينبغي لنا أن نسمح للهجمات الشرسة من اليمين المتطرف أن تعزز فينا فكرة أننا مجرد مهاجرين أجانب، بل يتعين علينا أن نتمسك بفكرة المواطنة ونعكسها في كل سلوكياتنا، وخاصة في ظروف التحضير للانتخابات العامة، لنؤكد أننا جزء من نسيج المجتمع ولنا مساهمات مهمة في بنائه، وأن هويتنا ومعتقداتنا وثقافتنا مسألة خاصة.
وتثبت الإحصاءات الرسمية أن المواطنين المهاجرين قدموا مساهمات لا يمكن إنكارها في بناء المجتمع وأثبتوا قدرتهم على الاندماج فيه، والدليل على ذلك وصولهم إلى أعلى المناصب في كافة مرافق الدولة، فضلاً عن نجاحهم الكبير في القطاع الخاص.
وتشير الإحصاءات الأخيرة، على سبيل المثال، إلى أن قطاع الصحة، لولا القوى العاملة من الأقليات، لكان قد انهار تماما في ظل الأزمة التي تسبب فيها حزب المحافظين. 26.2% من الموظفين من الأقليات و48% من الأطباء في إنجلترا من الأقليات. وفي قطاع الأعمال، هناك 250 ألف شركة متنوعة تضخ أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني، وهناك نسب جيدة لا ترقى إلى مستوى الطموح من المعلمين وأساتذة الجامعات والباحثين.
اليمين المتطرف خطر كبير ومحدق يستغل أي ظرف تمر به البلاد لتمرير برامجه السامة، وقد أثبتت الانتخابات في بريطانيا ودول أوروبية أنه قادر على إقناع فئة تلو الأخرى في المجتمع ببرامجه، والدليل على ذلك فوزهم بمقاعد لم يفوزوا بها في دورات انتخابية سابقة.
إن مخاطبة الناس، وخاصة أثناء الانتخابات، علم وفن يتطلبان قدراً كبيراً من الحكمة، فكل خطوة أو كلمة أو إشارة في السباق الانتخابي لابد أن تكون محسوبة، فمثلاً لا يمكن لمرشح في دائرة تقع تحت لواء ديني أو عرقي أن ينجح، في حين أن الجهاز المركزي للإحصاء يقول إن الغالبية العظمى في هذه الدائرة لا ينتمون إلى أي دين أو أن الأغلبية تنتمي إلى عرق مختلف!
إن الغالبية العظمى من الناس في الدوائر الانتخابية والمجتمع البريطاني بشكل عام يتفقون على احترام القانون واحترام حرية المعتقد والتمسك بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فما هو مبرر الانسحاب تحت رايات دينية أو عرقية غير التسرع في اتباع الطريق الخطأ الذي يرسمه اليمين المتطرف، والذي يؤدي في النهاية إلى تشتت الأصوات وضياع الجهود؟
ونحن ندرك أن الطريق طويل وشاق وغير سهل على الإطلاق، ويتطلب تضافر كافة الجهود وإعلاء قيم المواطنة فوق المصالح العنصرية والإثنية والحزبية الضيقة للوصول إلى تفاهمات تمكن من إقرار برنامج يضع كل القضايا في سياقها الصحيح من أجل المضي بخطوات ثابتة وواثقة في أي استحقاق انتخابي قادم.
إن الانتخابات العامة التي مرت بهزيمة أسوأ حزب شهدته البلاد تستحق أن نأخذ منها العبر والدروس للحفاظ على المكاسب التي تحققت، ولنترك القضايا العرقية والدينية والثقافية للأندية والمساجد والكنائس والمؤسسات المتخصصة، وهي كثيرة، وهي قادرة على توعية جمهورها لاختيار المرشح الذي لا يتنازل عما يؤمن به، وفي الوقت نفسه نترك مخاطبة الجمهور في الدوائر المختلفة لتحالف يضم الجميع على مبدأ الكلمة المشتركة لانتخاب من يتحمل مسؤولية مصالح الشعب داخل البلاد وخارجها.















