(عرب تايم) خاص.
بقلم رفيق الراضي
لا شك أن الكتابة فن وبناء فكري، سواء كان روائيا أو تاريخيا أو فلسفيا. ولكي يتحقق التكامل في النصوص المكتوبة، لا بد من الانسجام بين التاريخ والمنطق في نسيج النص. فالتاريخ يوفر المواد الخام، سواء كانت حقيقية أو محتملة، بينما يضيف إليها المنطق هيكلا وترتيبا، مما يجعلها تسير في تسلسل مقنع للقارئ. وهذا التكامل يمنح النص مصداقية ويعزز قدرته الإقناعية، خاصة عندما يتضمن تحليلا متعمقا للأحداث في سياقها الزماني والمكاني. مما يساهم في إيصال الفهم للقارئ بشكل واضح، مما يخلق تأثيراً عاطفياً وفكرياً، بينما تثير الأدوات مثل الحبكة شغف القارئ وتزيد من جمال النص الأدبي.
وكانت مقدمة الكاتب الصحفي والإعلامي أنور الآنسي لمقدمة كتابه زمن إبراهيم تأكيدا على أهمية هذه الازدواجية. بدأ المقدمة بجملة محورية تقول:
“في كثير من الأحيان لا يوجد منطق ثابت للتاريخ. بل لا يوجد اتساق بين منطق التاريخ والتحليل العلمي على الإطلاق. هي مجموعة معقدة من الأحداث والمشاهد المنفصلة أو الناتجة عن بعضها البعض. ”
ويعتبر أنور الآنسي شخصية إعلامية بارزة وكان له تأثير كبير على الساحة الإعلامية اليمنية والعربية. وأذكر أنني كنت أشاهده بشغف في التلفاز، وأستمع إليه في الراديو، بسبب ثقافته الواسعة. أثر هذا الشغف في حياتي، حيث دفعني إلى تطوير مهاراتي اللغوية والانفتاح على الآخرين، بعيداً عن قيود اللهجات المحلية، بالإضافة إلى تحفيزي للبحث والدراسة. أسلوب العنسي المميز، الذي يجمع بين اللغة الشعرية والرؤية التحليلية، جعل منه مدرسة إعلامية أثرت في أجيال من الصحفيين والإعلاميين اليمنيين. شعرت بذلك أثناء حضوري حفل توقيع كتابه عرب تايم «مبدعون من اليمن» الذي استقبل بحماس كبير من قبل الوسط الثقافي والأدبي.
ويوثق كتاب زمن إبراهيم مرحلة مهمة في تاريخ اليمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وأثرت الأحداث التي تناولها الكتاب في حياة اليمنيين في تلك الفترة، وما زالت آثارها مستمرة حتى يومنا هذا. ويكتسب الكتاب أهميته لأنه يأتي من كاتب عاش قريبا من دوائر السلطة لمدة أربعة عقود، مما يضفي عليه مصداقية إضافية. ويتناول الكتاب حياة الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي (1974-1977) الذي وصفه الآنسي بأنه من الشخصيات النادرة التي تجمع بين محاولة السيطرة على مجريات الأحداث، وبين صدفة وجوده في البيت الأبيض. الوقت والمكان المناسبين. ويرى الكاتب أن الحمدي يمثل “حلما وطنيا استثنائيا” لم يكتمل، إذ جمع بين صفات القائد الملهم، والرؤية الاستراتيجية، والإرادة الصلبة.
وتضمن الكتاب 12 فصلاً تناولت حياة الرئيس الحمدي منذ نشأته وحتى اغتياله المثير للجدل. وركزت الفصول الأخيرة على علاقاته السياسية والشخصية، وسلطت الضوء على شهادات شخصيات سياسية وعسكرية معاصرة. ولم يتوقف الآنسي عند مجرد عرض الحقائق، بل حللها بعين الصحفي والمؤرخ، مشيرًا إلى محاولات محو أرشيفات تلك الحقبة.
زمن إبراهيم ليس مجرد كتاب يؤرخ لفترة سياسية مهمة، بل هو محاولة لاستعادة الذاكرة الوطنية واستعادة الأمل في تحقيق العدالة والمواطنة المتساوية. وهو عمل يهدف إلى تقديم الماضي للأجيال الشابة، ليبقى حلم إبراهيم الحمدي حاضرا في ذاكرة اليمنيين.