تقرير/ ناصر الزيدي:
تشهد محافظة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا ارتفاعا جنونيا وغير مسبوق في أسعار الأسماك، خاصة بعض الأنواع التي كانت حاضرة على موائد الأسر بشكل دائم، وسط غياب تام للجهات الرقابية الحكومية لضبط الأسعار ومحاسبة المسؤولين عن ذلك؛ ما تسبب في حرمان الكثير من المواطنين من وجبتهم اليومية الرئيسية المكونة من الأسماك التي تعد عنصرا أساسيا على موائدهم.
وفي حين يشكو المواطنون في عدن من هذه الموجة السعرية القياسية للأسماك، يبدي مراقبون وخبراء استغرابهم من هذا الارتفاع الكبير في أسعار الأسماك في المدينة المحاطة بالبحار والسواحل، والغنية بالأحياء البحرية، والتي باتت تباع بأسعار باهظة، وأضعاف سعرها في محافظات يمنية أخرى غير ساحلية، مثل صنعاء وتعز وإب وغيرها.
وأظهرت آخر تسعيرة للأسماك في محافظة عدن، حصل “خيوت” على نسخة منها، أن سعر الكيلوغرام الواحد من أسماك “الثمد” وصل إلى 12 ألف ريال، بعد أن كان يباع قبل أيام بـ8 آلاف ريال، فيما ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من أسماك “السخلة” إلى 18 ألف ريال، بدلاً من 15 ألف ريال، ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من أسماك “الديرك” إلى نحو 24 ألف ريال، بعد أن كان يباع بـ20 ألف ريال، وكلها قابلة للزيادة في أي لحظة، في ظاهرة نادرة وغير مسبوقة في عدن.
البحث عن حلول دائمة
تصاعدت شكاوى المواطنين في كافة مديريات محافظة عدن، من استمرار ارتفاع أسعار الأسماك المختلفة، دون إيقاف تصديرها للخارج أو إيجاد حل جذري ينهي هذه المشكلة التي أثقلت كاهل الأسر وزادت من معاناتهم اليومية بشكل كبير، في ظل وضع اقتصادي ومعيشي صعب أكثر من أي وقت مضى.
وقال علي سالم، وهو موظف في وزارة التربية والتعليم بعدن ورب أسرة مكونة من خمسة أفراد، لخيوت، إنه أصبح يكاد يعجز عن شراء الأسماك لتكملة غداء أسرته، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الجنوبية التي تشهدها بين الحين والآخر.
وقال المواطن علي سالم “استمرار ارتفاع أسعار الأسماك في عدن دون أي تدخلات جادة وفعالة من قبل الجهات الحكومية، سيؤدي إلى فقدان هذه الأسرة وغيرها وجبة الغداء الرئيسية التي تكون موجودة غالبا على موائد العديد من الأسر، والتي كان من المستحيل بالنسبة لهم الاستغناء عنها، لكن الظروف أجبرتهم على ذلك”.
وأضاف أن راتبه الشهري الضئيل، والذي يتأخر من شهر لآخر، لم يعد يسمح له بمواصلة شراء الأسماك بشكل يومي، بسبب الارتفاع الكبير الذي تشهده، مؤكداً أنه بدأ يحدد أياماً محددة لعائلته لتناول «قطع» قليلة من السمك، حتى تستقر الأسعار وتعود إلى ما كانت عليه.
وضع سيئ وحلول غائبة
تقول ماريا راشد، ناشطة اجتماعية في عدن، لـ”خيوط”، إن “الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، وأسعار الأسماك ارتفعت رغم أن عدن تعتبر شبه جزيرة، ومناخها مناسب لاستقطاب كافة أنواع الأسماك، بما يكفي للإنتاج المحلي، ومن ثم تصدير الفائض”، مشيرة إلى أنه “لا يوجد مبرر لهذا الارتفاع الحاد في أسعار الأسماك، فالكثير من الأسر تعاني الآن من وضع مالي متدهور، ومستوى دخل الفرد لم يعد يتجاوز الدولار الواحد”.
وتابعت: «منذ أسابيع ونحن نلاحظ ارتفاعاً جنونياً ومتسارعاً في الإنتاج المحلي سواء من الأسماك أو الخضار أو الفواكه، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين أكثر فأكثر، فمتى ستتخذ الحكومة قراراً جدياً لوقف كل هذه الفوضى السعرية؟!».
وتعاني عدن ومختلف مناطق الحكومة المعترف بها دوليا من تدهور مستمر للعملة المحلية، حيث وصل سعر صرف الريال إلى أكثر من 1840 مقابل الدولار؛ وهو ما يعتبره تجار السوق أحد الأسباب التي قد تؤثر على أسعار مختلف السلع والمواد الغذائية.
بدورها، تؤكد الإعلامية حيدرة الكازمي لـ”خيوط” أنه “من غير الجائز إطلاقا حرمان الأسر في محافظة عدن والمحافظات المجاورة من مصدر غذائي مهم كالأسماك”، مبينة أن “هذه المعاناة ليست بجديدة على المواطن، بل هي مستمرة ولفترات متقاربة، ولا توجد أسباب واقعية”.
وأضاف: “لدينا شريط ساحلي طويل نستطيع من خلاله توفير كميات كبيرة من الأسماك، كما أن هناك الكثير من الناس يعملون في مهنة الصيد، وارتفاع تكاليف الوقود والنقل ليست مبرراً واقعياً للارتفاع الجنوني لأسعار الأسماك، والذي جعل العديد من الأسر غير قادرة على شرائها”.
ويرى الكاظمي أن “الحل الوحيد للوضع الحالي يكمن في اتخاذ الجهات المعنية خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمة، بما في ذلك التدخل لضبط الأسعار ومعالجة الأسباب، وإيجاد الحلول الكفيلة بضمان توفر الأسماك بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للعديد من الأسر التي تعاني من ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، والعمل على دعم الصيادين وتوفير مستلزماتهم بأسعار مناسبة، ومكافحة الاحتكار ومنع المضاربة بالأسعار، إضافة إلى دعم برامج تنمية الثروة السمكية لزيادة الإنتاج المحلي”.
منذ القدم كانت الأسماك وخاصة “الثمد” و”السلخة” المصدر الرئيسي للغذاء للمواطنين بشكل عام في محافظة عدن، ولذلك فإن ارتفاع أسعارها يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم، خاصة مع الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية الأخرى.
حقوق الملكية متعددة الأطراف
ويرجع عدد من بائعي الأسماك في الأسواق المحلية أسباب الارتفاع إلى مجموعة من العوامل، تتمثل أغلبها في التصدير العشوائي للخارج من قبل بعض العاملين في بيع الأسماك، إضافة إلى فرض الضرائب والرسوم الجانبية على البائعين لدى جهات مختلفة، فضلاً عن غياب الرقابة الحكومية على تجار الأسماك أنفسهم.
ويقول محمد ثابت (30 عاماً)، بائع الأسماك في سوق الضربة للأسماك بمدينة البريقة (غرب عدن)، لـ”خيوت” إنهم -الباعة- يتفاجأون يوماً بعد يوم بفرض ضرائب جديدة عليهم بطريقة “غير قانونية”، حسب قوله، ما اضطرهم إلى تعويض خسائرهم برفع أسعار بعض الأسماك، مثل “ثمد” و”سخلة”، الأكثر طلباً في السوق المحلية، مشيراً إلى أنه “لم يعد هناك أي عائد يذكر في بيع الأسماك، كما كان الحال في الأعوام السابقة”؛ نتيجة ما وصفه بـ”المضايقات” التي يتعرضون لها، وسط صمت مريب من الجانب الحكومي تجاه ما يحدث.
وفي هذا السياق يرى الباحث المتخصص في شؤون الصيادين والأحياء البحرية في خليج عدن محمود الرشيدي في تصريح لـ«خيوط» أنه من الصعب إيجاد حل لمشكلة ارتفاع أسعار الأسماك في الوضع الحالي، ما دام التعامل بنظام البيع والشراء ما زال يعرف بالسوق المفتوح.
وهذا يعني، كما يقول، أنك تتعامل في نظام رأسمالي، ويمكن لشركة أن تأتي في يوم وليلة وتقدم سعراً مناسباً، وتستولي على جميع الأسماك في السوق، كما أن العرض والطلب له أيضاً تأثير كبير على ارتفاع أسعارها.
تشكل الأسماك الوجبة الرئيسية اليومية لأبناء محافظة عدن الساحلية، ولا تخلو موائدهم منها تقريباً، ما يجعل ارتفاع أسعارها يتحول إلى مشكلة معيشية وإنسانية كبيرة بعيدة عن الحلول الحكومية.















