وأمام الانتقادات الداخلية والخارجية لحملة الاعتقالات الحوثية التي طالت العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والبعثات الدبلوماسية، أمر قيادات الجماعة مشرفيهم في أحياء العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بتنظيم وقفات احتجاجية مسلحة لدعم وتأييد الاعتقالات وتوسيعها لتشمل الموظفين في المؤسسات الحكومية.
وفي ظل السخرية المجتمعية من الاعتقالات والاعترافات التي بثتها وسائل إعلام الجماعة، قال سكان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن مشرفين حوثيين على الأحياء السكنية وزعوا رسائل عبر تطبيق «واتساب» استناداً إلى قوائم توزيع الغاز المنزلي.
ودعا مشرفو الحوثيين السكان للمشاركة في وقفات مسلحة سيتم تنظيمها طيلة الأسبوع، بواقع فعالية في كل حي، لإعلان مباركتهم لما أسموه “الإنجاز الأمني” المتمثل بالقبض على شبكة التجسس الأميركية الإسرائيلية، في مسعى لإعطاء طابع شعبي للحملة.
وبحسب المصادر فإن الرسائل حثت المشاركين على مطالبة قيادة الحوثيين بإنزال أقصى العقوبات على المعتقلين بتهمة التجسس، والكشف عما أسموها “بقية خلايا التجسس” التي وعد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي مؤخرا بالكشف عنها، وسط مخاوف من توسع قاعدة الاعتقالات لتشمل كل من عمل في منظمة دولية أو بعثة دبلوماسية غربية خلال العقود الثلاثة الماضية.
من جهتها، حذرت الحكومة اليمنية من توسع نطاق الاعتقالات في مناطق سيطرة الحوثيين، وعرضت على المنظمات استكمال نقل مكاتبها إلى مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، في حين جددت الأمم المتحدة والولايات المتحدة مطالبهما للحوثيين بسرعة إطلاق سراح الموظفين المعتقلين منذ أكثر من شهر، واستنكرتا الاتهامات الموجهة إليهم.
وتأتي احتجاجات الحوثيين المؤيدة للاعتقالات، رداً على حملة الإدانات المحلية والدولية إثر اعتقال عشرات الموظفين في مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والموظفون في البعثات الدبلوماسية بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة، وإخفائهم قسراً، ومنعهم من التواصل مع ذويهم أو الإبلاغ عن مكان احتجازهم.
التحرك الدولي
أكدت الأمم المتحدة استمرار جهودها لتأمين إطلاق سراح موظفيها المعتقلين “تعسفيا” لدى الحوثيين منذ أكثر من شهر، بحسب متحدث باسم المنظمة الدولية، الذي قال إن كبار المسؤولين الأمميين يواصلون العمل عبر كل القنوات الممكنة لتأمين الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين تعسفيا لدى السلطات الحوثية.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة أرسل في وقت سابق من هذا الأسبوع رسالة تضامن إلى موظفي المنظمة في اليمن، قال فيها إنه “لا يزال يشعر بقلق عميق بشأن سلامة موظفي الأمم المتحدة اليمنيين، والعاملين في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، والبعثات الدبلوماسية، والمجتمع المدني والشركاء الذين تم اعتقالهم تعسفيا”.
وأضاف في رسالته أن “موظفي الأمم المتحدة والعاملين الآخرين في المنظمات الشريكة المحلية والدولية يقومون بعمل قيم يستحق التقدير، ولا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف استهدافنا أو اعتقالنا أو احتجازنا أثناء أداء واجباتنا نيابة عن الشعب اليمني”.
وجدد دوجاريك الدعوات الدولية المتكررة لجماعة الحوثيين “بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والبعثات الدبلوماسية والمجتمع المدني وغيرهم من الموظفين الشركاء، ومعاملتهم باحترام كامل لحقوقهم الإنسانية، والسماح لهم بالاتصال بأسرهم وممثليهم القانونيين”.
وكان المتحدث باسم هيئة حقوق الإنسان جيريمي لورانس، قد صرح بأن المنظمة الأممية لا تزال تشعر بقلق بالغ على مصير 13 من موظفيها وموظفي المنظمات غير الإنسانية المحتجزين منذ أكثر من شهر لدى الحوثيين الذين يواصلون رفض أي وصول إليهم.
وأعرب أيضا عن قلق الأمم المتحدة إزاء وضع اثنين آخرين من موظفيها المحتجزين منذ فترات أطول، أحدهما منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 والآخر منذ أغسطس/آب 2023.
ورفض لورانس بشكل قاطع الاتهامات الصادمة والعلنية ضد موظفي الأمم المتحدة، ودعا الحوثيين إلى إطلاق سراحهم فورًا ودون قيد أو شرط. وأضاف: “نحن قلقون للغاية بشأن الظروف التي يتم احتجازهم فيها”. وشدد على أن الهجمات على العاملين في مجال حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية يجب أن تتوقف على الفور.
حملات التطهير
بدأ الحوثيون بالتحضير لإطلاق حملة لتطهير المؤسسات الحكومية من الأفراد الذين يشككون بولائهم، بحجة محاربة الفساد والعملاء، حيث وزع مشرفون حوثيون رسائل على السكان في كافة المديريات الخاضعة لسيطرة الجماعة، طالبين منهم تنظيم احتجاجات شعبية مسلحة في كل مديرية على حدة للمطالبة بـ “تطهير المؤسسات من بقايا الفاسدين والعملاء”، وهو المصطلح الذي يستخدمه الحوثيون لوصف المعارضين لتوجهاتهم الطائفية والمذهبية.
وتتزامن هذه الأنشطة -بحسب مصادر مطلعة في صنعاء- مع قيام فريق شكله زعيم الجماعة ويشرف عليه مدير مكتب مجلس الحكم الانقلابي أحمد حامد، بفرز أسماء الموظفين وشاغلي الوظائف الوسطى (مدير عام فما دون) بهدف التحقق من ولائهم واستبعاد المشكوك في ولائهم.
وتأتي هذه التحركات استجابة لطلب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بإيجاد تأييد شعبي لما أسماه “التغييرات الجذرية” التي تحدث عنها، والتي تهدف إلى تطهير المؤسسات الحكومية، حتى تظهر هذه الإجراءات وكأنها تحظى بتأييد شعبي.
وبحسب المصادر فإن المشرفين الحوثيين طلبوا في رسائلهم إلى مسؤولي المديريات الذين سيشاركون في الاحتجاجات، توجيه مطالب إلى زعيم الجماعة بسرعة تطهير بقية مؤسسات الدولة من “الفاسدين والعملاء”، معتبرين ذلك سبب تأخير تشكيل الحكومة الانقلابية الجديدة.















