وقال جدعون ساعر، وزير خارجية الكيان الصهيوني: “علينا أن نفهم التطورات في هذا السياق، وندرك أنه في منطقة سنبقى فيها دائمًا أقلية، يمكننا إقامة تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى”.
كشف الموقع الإخباري اللندني المرموق والمعروف بتخصصه في شؤون العالم العربي واستقلاله المهني، عن تقرير استقصائي مثير للجدل. التحقيق الذي أعده رئيس تحريرها ديفيد هيرست، أحد أبرز الصحافيين في بريطانيا، سلط الضوء على إحباط مخطط إسرائيلي يهدف إلى تفكيك الوحدة السورية عبر تقسيمها إلى ثلاث مناطق وقطع علاقاتها مع قواتها. الحلفاء الإقليميون، إيران وحزب الله، بناءً على مصادر أمنية مطلعة.
ودارت تفاصيل الخطة حول صفقة استراتيجية معقدة بين الكيان الصهيوني ونظام بشار الأسد، تحت مظلة الدعم العربي، تنص على تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ: شمال كردي، وجنوب درزي، مع الأسد يحافظ على سيطرته على المنطقة الوسطى. وكان من المقرر أن تحصل دمشق في المقابل على حزمة من الحوافز المالية السخية والتخفيف الملموس من العقوبات الاقتصادية، خاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر.
لكن الخطة شهدت انتكاسة دراماتيكية غير متوقعة، إذ نجحت هيئة تحرير الشام بدعم من القوات التركية في إفشال المشروع برمته بعد سيطرتها على مدينتي حماة وحلب الاستراتيجيتين.
ومع تقدم قوات هيئة تحرير الشام باتجاه العاصمة دمشق، اضطر الأسد إلى الفرار، ما دفع القوات الصهيونية إلى التدخل السريع وتدمير القدرات العسكرية السورية، واحتلال مناطق من الأراضي السورية.
وأظهرت عشرات التقارير الصحفية والدراسات الاستراتيجية الصادرة عن مؤسسات إعلامية وبحثية مرموقة، خلال الأشهر التي سبقت فرار الأسد، محاولاته المستمرة للتقارب مع واشنطن برعاية عربية.
وسعى الأسد جاهدا للتخلص من العبء الإيراني الذي أصبح يمثل تكلفة سياسية واقتصادية باهظة لنظامه، إلا أن محاولاته باءت بالفشل رغم الجهود المبذولة للحد من النفوذ الإيراني.
ووثقت تقارير موثوقة سلسلة من الإجراءات الدراماتيكية التي اتخذها الأسد أثناء اندلاع المواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني. وأحال قيادات عسكرية بارزة موالية لإيران إلى التقاعد، ما أدى إلى تصفية بعضهم جسديا، ووصل الأمر إلى حل الميليشيات المرتبطة بطهران.
وفي السياق نفسه، شهدت العاصمة السورية تحولاً ملحوظاً في موازين القوى، حيث نفذ ماهر الأسد، شقيق الرئيس وقائد الفرقة الرابعة المكلفة بحماية دمشق، عملية واسعة النطاق لإخراج عناصر حزب الله من سوريا. التنسيق مع موسكو.
وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية في إطار تصعيد الجهود الروسية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، سعيا لتعزيز هيمنتها على حقول النفط وضمان استمرار وجودها العسكري في المنطقة.
وفي موقف أثار جدلا واسعا، اتخذ الأسد قرارا حاسما خلال المواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني، برفض تحويل الأراضي السورية إلى منصة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل. كما منع نشر صواريخ يمنية أو استقبال مقاتلين يمنيين على أراضيه، ما أثار غضبا شديدا في طهران.
وعزز هذه التطورات المثيرة ما نشرته وكالة تاس الروسية الرسمية، والذي كشف عن قيام الأسد بتزويد الجانب الإسرائيلي بمعلومات دقيقة عن مواقع عسكرية سورية استراتيجية، وهو الأمر الذي سبق أن تم تناوله في تحليل سابق قبل أيام.
وفي ظل هذه التقارير التي تبدو متسقة مع مجريات الأحداث، تتجلى مرة أخرى الطبيعة الانتهازية لنظام الأسد، الذي يبدو مستعداً للتضحية بكل شيء من أجل البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك يعني الوقوع في السلاح. من أعدائها التقليديين.
وإذا ثبتت صحة هذه الرواية، فإن الحديث عن تداعيات سقوط نظام الأسد، سواء على صعيد تقسيم سوريا أو فقدان محور المقاومة لحليف استراتيجي، سيصبح أمراً مفروغاً منه، كما هو الحال في المسار. لقد بدأ الانقسام وابتعاد سوريا عن محور المقاومة.
كما يقدم هذا التحقيق تفسيرا منطقيا لعدم تدخل إيران لحماية حليفها السوري، حيث يبدو أن القيادة الإيرانية أدركت خيانة الأسد وتحوله إلى عبء استراتيجي يصعب تحمله.
ومع تسارع الأحداث يوماً بعد يوم، تتكشف المزيد من الحقائق والمعلومات التي تساعدنا على تجميع أجزاء هذا المشهد المعقد، مما يمنحنا فهماً أعمق وأشمل للتحولات الجذرية التي تشهدها الساحة السورية.
الدستور الأردني