الأخبار المروعة التي تم تداولها في الأيام الأخيرة بشأن وفاة عدد من الأطفال حديثي الولادة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بسبب البرد الشديد في خيم مصنوعة من البلاستيك والقماش المهترئ. إن أمة الملياري مسلم يجب أن تشعر بالخجل والخجل من نفسها. فهل وصل الأمر إلى عدم القدرة على جمع ملايين الفرش؟ والبطانيات وإرسالها إلى غزة، وهو أمر يمكن أن ترعاه جمعية خيرية واحدة في دولة إسلامية كبيرة؟
ولو حدثت هذه المآسي في شمال غزة المحاصر بشكل كامل منذ 75 يوماً، نتيجة تنفيذ “خطة الجنرالات” الفاشية الهادفة إلى إجلاء سكانه وتوطينه من جديد، لقلنا إن فالاحتلال سيمنع وصول هذه المساعدات إلى هذه المنطقة المحاصرة إجراميا حتى لو تدفقت من كل مناطق العالم، لكنه حدث. وفي رفح جنوب غزة، على مرمى حجر من مصر، تصل المساعدات إلى هناك، وإن كانت شحيحة بعض الشيء، كما يتعرض بعضها للنهب، فهي تصل رغم كل الظروف، والدول العربية والإسلامية وأحرار فلسطين. ويمكن للعالم بعد ذلك أن يرسل الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين في المنطقة، وأبرزها المواد الغذائية والخيام والفرش والبطانيات والأدوية وغيرها. ولا يضرهم أن ينتظروا عدة أسابيع أمام معبر رفح قبل السماح لهم بالدخول. مساعدات للدخول, لما يعانون منه. إن 2.3 مليون فلسطيني يعانون من البرد والجوع والأهوال يستحقون هذه التضحية البسيطة.
ويضاف الموت من البرد إلى ما يحدث في غزة، وخاصة في شمالها، من الموت جوعا بسبب شح المواد الغذائية والمؤن، وعدم السماح لها بالدخول، وكذلك الموت تحت القصف بكافة أشكاله في المجازر التي ترتكبها. تتكرر يوميا أمام أعين وآذان العالم، يسقط فيها يوميا عشرات الشهداء والجرحى، ولا يتحرك أحد لوضع حد للمأساة؛ لقد كانت الدول الغربية متواطئة ومشاركة في هذه الجريمة منذ اليوم الأول للحرب، ولم يعد هناك أي أمل فيها.
لقد استسلمت الدول العربية والإسلامية تماماً للأمر الواقع، ولم تعد تجتمع لعقد الاجتماعات. فهل يعقل أن يموت أطفال من الجوع والبرد ولا تعقد الدول الإسلامية اجتماعا عاجلا للنظر في كيفية الضغط على الدول الكبرى لتضغط بدورها على الاحتلال للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الأكثر إلحاحا وإلحاحا؟ فهل تحدث هذه المآسي للأخوة العرب في أرض عربية، أم أنها تحدث في جزيرة معزولة في هذا العالم؟
قبل بضعة أشهر اشتكى أحد الفلسطينيين في غزة من تخلي العرب والمسلمين وعدم مبالاتهم بما يعانونه من جوع وأمراض ومجازر. وختم بقوله: “لا تشفع لهم يا رسول الله يوم القيامة”. ولعل هذا الفلسطيني الذي يحزنه تخلي شعب المليارين، يكرر الآن طلبه من الرسول الكريم. صلى الله عليه وسلم إذ رأى أطفالاً رضعاً يموتون من شدة البرد في خان يونس، ولا أحد يتحرك ليرسل ما يحتاجه من فائض من الفرش والبطانيات لإنقاذ ما تبقى منا في هذا الشتاء، الأيام الأولى التي نعيشها فقط والتي لا تزال طويلة. فهل تستحق مثل هذه الأمة شفاعة رسولها يوم القيامة وقد تركت 2.3 مليون من إخوانها يموتون بطرق مختلفة وهي الآن تتعايش مع ذلك وكأن شيئاً لم يكن؟
عزاؤنا، كما نرى هذه الأيام فقط ما يفطر القلب، هو أن المقاومة ما زالت صامدة في قطاع غزة، ولا ترفع الراية البيضاء لهذا الاحتلال الإجرامي الفاشي الذي يجوع الأطفال والنساء ويفجر البيوت على رؤوسهم. وتدمر المنشآت وتحرق المستشفيات.. وتنتقم منهم وتقاوم بكل ما تملك حتى بالسكاكين. ; وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت المقاومة تلجأ إلى عمليات السكاكين وقتل جنود الاحتلال بجرأة نادرة.
وسواء كان الأمر يتعلق بنقص أسلحتها وذخائرها كما يروج الاحتلال، أو كان تكتيكا جديدا لبث الرعب في صفوف جنودها، فإنه يثبت – في كل الأحوال – أن المقاومة ما زالت موجودة وتقاتل كما هي. قدر استطاعتها، وبعزيمة وعزم كبيرين.. وفي ظل الخيبة الشاملة. الذي يحاصر الفلسطينيين من كل جانب. ولم يعد هناك أمل سوى صمود المقاومة في الميدان، وكذلك صمود الفلسطينيين على أرضهم رغم الجوع. برد وحصار ومجازر، صمود سيذكره التاريخ بأحرف من ذهب.
جريدة الشروق الجزائرية