الهجرة النبوية حدث غير وجه التاريخ دون أدنى مبالغة، ولذلك لا بد لأهل الفكر والدعوة أن يقرأوها بعمق ويحللوا تفاصيلها ليستلهموا العبر ويضعوا الأسس التي تقوم عليها يرتكز نجاح أحداث محورية في واقع المسلمين الطامحين إلى الخروج من المأزق التاريخي والحضاري الذي يعيشون فيه.
ومن أهم الدروس التي يمكن أن نتعلمها من شجرة الهجرة هي شجرتها المثمرة، وأوراقها تتجدد كل عام، وظلالها تنتشر مع مرور الوقت. وهو العبرة بالاعتماد على الكفاءة عند تكليف العمل في الأحداث المحورية والمؤسسات المهمة إذا أردنا تغيير وجه التاريخ، واعتبار الكفاءة أولوية قصوى ليس ترفا سلوكيا بل واجب أساسي.
المرشد الكافر الكفء
ومن أهم الدروس التي يمكن أن نتعلمها من شجرة الهجرة هي شجرتها المثمرة، وأوراقها تتجدد كل عام، وتلقي ظلالها على مر الزمن. وهو العبرة بالاعتماد على الكفاءة عند تكليف العمل في الأحداث المحورية والمؤسسات المهمة إذا أردنا تغيير وجه التاريخ، واعتبار الكفاءة أولوية قصوى ليس ترفا سلوكيا بل واجب أساسي.
وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً في اتباع طريق الهجرة من مكة إلى المدينة. عرف أسرارها واستطاع أن يتغلب على صعوبة الجغرافيا ومفاجآت الأرض القاسية. وتعد مهمة المرشد من أخطر المهام الأمنية في حادثة الهجرة، حيث يمكنه بكل بساطة تسليم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بشكل يوهمهم بالحماية والصيانة ، والرعاية. إلا أن هذا المرشد كان كافراً، وهو عبد الله بن عريقات الليثي، وكان اختياره في البداية لكفاءته. وفي صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من أهل البيت». بنو الديل، وكان من بني عبد. ابن عدي مرشد خوريطة (و خوريطة ماهر في الهدى) قد غمر قسما أقسم به على آل العاص بن وائل الذي كان على دين كفار قريش فجعلوه آمنا، فأعطوه جمالهم ووعدوه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأحضرهم بجمالهم صبيحة ثلاث ليال وانطلقوا».
تقول عائشة رضي الله عنها أن السبب الرئيسي للتعامل مع عبد الله بن أريقط، رغم أنه كافر، هو أنه مرشد ماهر، وذلك عندما قالت: مرشد جيد. وفسر البخاري هذا الوصف بقوله: «والدليل الصالح ماهر بالهداية». أي أنه مرشد مسار متميز ومختص في تخصصه.
وكثير من الناس عند ذكر هذه الحادثة يستدلون منها بجواز التعامل مع الكافر وجواز تكليفه بمهام مهمة وحساسة بشرط أن يكون ثقة. ومع أن هذا صحيح من حيث المبدأ، إلا أنه ليس المعنى الأهم في هذه المهمة، إذ إن توظيف شخص موثوق به هو شرط لا بد من توافره في كل أحد. تكليفه بمهمة ما، ولو كان مسلماً، وتقديم عائشة رضي الله عنها بوصفها ماهرة في العمل المتخصص. وأرجع إلى القول بأن أصل تكليفه جاء لكفاءته المقرونة بأمانته.
تلقى الشاب التعليم وكفاءة العمل الاستخباراتي
وقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بكر بمهمة رجل المخابرات الذي يجمع المعلومات وينقلها، وكان تكليفه بهذه المهمة للكفاءة التي كانت متوفرة فيه. وفي نفس الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري تقول:
فشلت العديد من المؤسسات، وإجهاض مشاريع كبيرة في ساحة العمل الإسلامي بسبب استبعاد الكفاءات المتخصصة اللازمة، وعدم توظيفها واستخدامها بحجة عدم الانتماء لتنظيم أو جماعة أو حركة، أو بسبب لإيمان القائمين عليهم بأن مجرد انتمائهم للمشروع الإسلامي يجعلهم أكفاء في كافة التخصصات، قادرين على إدارته وتوجيه دفة أعماله باقتدار
“ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار في جبل يقال له ثور، فأقاما هناك ثلاث ليال. وبات معهم عبد الله بن أبي بكر، وهو صبي صغير متعلم. فحذره حتى جاءهم بخبر ذلك حين اختلط عليه «الظلمة».
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها أخاها عبد الله بأنه شاب متعلم ومثقف، مشيرة إلى أن هذه الصفات هي التي أهلته لهذا النوع من العمل، ومعناها كما يقول ابن حجر في فتح الباري؛ المثقف: ذكي، والمتعلم: سريع الفهم، وهذه الصفات التي يجب أن يتسم بها ضابط المخابرات الكفؤ: الذكاء الشديد مع سرعة الفهم والقدرة على تحليل ما يسمعه ونقله بأمانة. كما كانت الكفاءة في العمل السبب الرئيسي في تكليف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه. عنهم بهذه المهمة الخطيرة.
ولا تمر الشام ولا عنب اليمن:
إن نجاح أي مشروع أو عمل أو مؤسسة أو حدث مهم أو محوري يعتمد على اختيار الكفاءات اللازمة للعمل بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية أو الحزبية، أو حتى بغض النظر عن انتمائهم الفكري للمشروع، طالما أنهم آمنون ومؤمنون. العمل في مهام متخصصة ضمن الآليات الموضوعة لتحقيق الأهداف المرحلية والاستراتيجية. .
فشلت العديد من المؤسسات، وإجهاض مشاريع كبيرة في ساحة العمل الإسلامي بسبب استبعاد الكفاءات المتخصصة اللازمة، وعدم توظيفها واستخدامها بحجة عدم الانتماء لتنظيم أو جماعة أو حركة، أو بسبب لاعتقاد القائمين عليهم أن مجرد الانتماء للمشروع الإسلامي يجعلهم أكفاء في كافة التخصصات، قادرين على إدارته وتوجيه اتجاهه بكفاءة. ولذلك فإن تعيين أشخاص ليس لهم أي تخصص، فضلاً عن كونهم ليس لديهم خبرة، ومؤهلهم الوحيد هو منصبهم في الجماعة أو الحركة أو التنظيم؛ وعلى رأس المؤسسات المتخصصة، كان سبب فشل تلك المؤسسة المتخصصة أنها لم تكن قادرة على خدمة الفئة التي تنتمي إليها، وبالتالي لم تصل إلى تمور الشام أو عنب اليمن.