
منذ أكثر من أسبوع، تشغل قضية إقامة الإقليم السني وسائل الإعلام العراقية، بعد عشر سنوات من طي صفحتها بسبب دخول تنظيم داعش إلى المحافظات السنية عام 2014، عقب احتجاجات شعبية واسعة هناك استمرت عاماً كاملاً طالبت بخيار الإقليم.
وتحظى فكرة الإقليم بتبني الكثير من الشخصيات العشائرية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، بزعم أن الحكومة الحالية لم تنفذ أياً من المطالب السنية في الورقة المتفق عليها بين القوى السياسية قبل تشكيلها عام 2022، والتي تعهدت بتنفيذها خلال شهرين.
ومن أبرز مطالب السنة في ورقة الاتفاق السياسي إصدار عفو عام عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسريا، وانسحاب قوات الحشد الشعبي من المدن السنية وإعادة بنائها، إضافة إلى عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، وتحقيق التوازن الطائفي في مؤسسات الدولة.
“ورقة الضغط”
وعن تداعيات الدعوات المتجددة لإقامة إقليم سني، قال النائب العراقي السابق عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي، إن “الإقليم مادة دستورية وحق إداري يمكن لأي محافظة أن تسعى إليه، ولكن بشرط توافر الظروف الطبيعية والموضوعية لاقتراحه”.
وأوضح العيساوي لـ”عرب تايم” أن “ما يجري الآن في الأنبار هو أنه لا جدية في طرح موضوع إقامة الإقليم أو الوصول إلى أهداف حقيقية فيه، وإنما الهدف هو فرض أجندات سياسية أو تحقيق مكاسب للشخصيات التي تنادي به أو من يقف خلفها”.
وأشار العيساوي إلى أن “إحدى الجهات السياسية في محافظة الأنبار تدفع ببعض الشخصيات لرفع صوتها بشأن إقامة الإقليم، من أجل تحقيق مكاسب من الحكومة في بغداد، خاصة أن المطالبين بذلك ليس لهم أي وزن، بل هم أشخاص هامشيون يحاولون تقوية أنفسهم بهذه القضية”.
عرض الأخبار ذات الصلة
وتابع: “رغم أن الدعوة لإقامة الإقليم خيار متاح ومن حق أي مواطن أن يتحدث عنه، إلا أن طرحه اليوم ما هو إلا ورقة تستخدم للضغط السياسي من أجل تحقيق مكاسب سياسية”.
وأوضح العيساوي أن “شخصيات من حزب التقدم برئاسة محمد الحلبوسي تحرض جهات ليست بالضرورة قريبة منها للحديث عن إقامة الإقليم، وأن همهم الأول أن ترتفع الأصوات أو يشاع أن هناك حراكا عشائريا في الأنبار للمطالبة بالإقليم”.
وأضاف: “الحقيقة الحالية هي أنه لا توجد عشائر أو شخصيات مؤثرة في الأنبار تتحدث عن قضية المنطقة، وبشكل عام فإن القضية تطرح الآن، وتحديداً في هذه المحافظة أكثر من غيرها، لكنها غير موضوعية”.
من جانبه قال الباحث والمحلل السياسي العراقي كاظم الياور إن “موضوع تشكيل الأقاليم في العراق لا يخص المحافظات السنية، بل يطالب بين الحين والآخر شخصيات بإنشاء إقليم البصرة، عندما تحدث مشاكل سياسية ويكون هناك شعور بالحرمان في الموازنة العامة للبلاد”.
وقال الياور في حديث لـ”عرب تايم” إن “القاسم المشترك بين المطالبين بإقامة الأقاليم سواء في المحافظات السنية أو الشيعية هو أن الأوساط السياسية التي تطرح مثل هذه المشاريع ليست أوساطاً سياسية ممثلة في البرلمان العراقي ولا تمتلك وزناً حكومياً على شكل وزارات ومناصب سيادية”.
وأكد الباحث أن “بعض السياسيين حتى لو كانوا جزءا من الحكومة أو البرلمان يحاولون إرسال رسائل من خلال بعض العاملين السياسيين الذين هم في الصفوف الخلفية، وليسوا في الصف الأول أو الثاني، وبالتالي تأتي هذه الاتصالات من دوائر مشبوهة”.
وأشار إلى أن “الدعوات الحالية لإقامة الأقاليم ليست سوى أوراق ضغط تمارسها بعض الجهات السياسية المؤثرة في المشهد السياسي عبر خطوطها الخلفية، من أجل فرض أجندات والحصول على مكاسب ومناصب سياسية في الدولة”.
وتابع: “لا توجد مشاريع سياسية قوية يتم تبنيها عبر الوسائل الدستورية والفكرية والأكاديمية لإثارة قضايا الأقاليم، رغم أن الدستور العراقي ونظام الحكم الحالي يسمح بإثارة ذلك، ولكن عبر آليات ووسائل معروفة لدى الجهات المختصة”.
وخلص ياور إلى أن “الذين يثيرون هذه القضية حالياً لا يملكون نفوذاً شعبياً أو سياسياً أو حزبياً، وهم خط خلفي للآخرين، وبالتالي فإن ما يحدث يمكن أن نطلق عليه دعوات للحصول على مكاسب، وهذه المطالبات سرعان ما تتلاشى أو تتجمد بعد تحقيق مكاسب سياسية”.
“الولادة قريبا”
لكن الشخصيات المطالبة بالإقليمية تتوقع ولادة قريبة للإقليم السني، وتصف كل من يرفض تنفيذ المشروع بأنه مدعوم من الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران، سواء سنية أو شيعية، لأن الغالبية العظمى من سكان المحافظات السنية تطالب بالإقليم، حسب قولهم.
وقال الشيخ رعد السليمان، أحد وجهاء الأنبار وأحد المطالبين بإقامة الإقليم السني، إن “جغرافية الإقليم تشمل محافظات نينوى وكركوك والأنبار وصلاح الدين وديالى، إضافة إلى المناطق الواقعة شمال بغداد، وبالتالي تحده أربع دول هي السعودية والأردن وسوريا وتركيا”.
عرض الأخبار ذات الصلة
وأضاف السليمان خلال لقاء تلفزيوني الخميس الماضي، أن “الإقليم حق دستوري وليس طائفيا، لأن هذه المناطق تفتقر إلى الخدمات، وليس لديها أي حقوق مادية، وإنما وعود وتخدير، بينما إقليم كردستان مزدهر، وبالتالي حصل فيه تطور عمراني وخدمي”.
وأشار إلى أن “نسبة الراغبين بإقامة الإقليم السني تصل إلى 90 بالمئة بين سكان المحافظات السنية، لكننا نطالب بدعم إقليمي ودولي لتحقيق هذا الخيار الدستوري، لأننا لا نريد سلاحا سائبا في مدننا، يعمل تحت عنوان الحشد الشعبي، بل هي ميليشيات موالية لإيران”.
وأشار السليمان إلى أن “جميع القيادات السياسية السنية تريد إقامة الإقليم سواء محمد الحلبوسي أو خميس الخنجر أو غيرهما، لكنهم يعملون في بغداد أمام خط النار، وإذا تحدثوا عن الموضوع يتعرضون للطائرات المسيرة والاستهداف، لكنهم يدعمون مطالب العشائر في المنطقة”.
وأشار إلى أن “إنشاء الإقليم سيتم عبر آليات الدستور سواء بتصويت مجالس المحافظات أو استفتاء شعبي”، مضيفاً: “ولادة الإقليم السني باتت وشيكة، وسنعقد مؤتمراً في الأنبار في 15 أيلول المقبل بحضور أكثر من 150 شخصية، فضلاً عن توجيه الدعوات للاتحاد الأوروبي والأميركيين ودول المنطقة”.
وفي السياق ذاته، قال الشيخ ثائر البياتي، أحد شيوخ محافظة صلاح الدين، في تغريدات على منصة “إكس”، إحداها موجهة لمن وصفهم بـ”عملاء النظام الإيراني”، إن “المنطقة العربية مطلب الجمهور السني، ومن يرفضها ويحارب المشروع متهم بأي جريمة تحدث في المحافظات السنية”.
عرض الأخبار ذات الصلة
وقال البياتي في تغريدة أخرى إن مطلبنا للإقليم هو “مطلبنا لملايين النازحين في الخيام منذ 11 عاماً بسبب احتلال أراضيهم من قبل الميليشيات الطائفية ومنعهم من العودة”.
وأضاف البياتي “مطالبنا هي لملايين اللاجئين في دول العالم الذين فروا من المليشيات والعصابات والقوانين الإقصائية، ومئات الآلاف من المعتقلين والمختطفين والمختفين في سجون المليشيات والحكومات بتهم كيدية عبر مخبر سري قذر وضابط مليشيا وقاضي طائفي فاسد”.
وأوضح أن بين السنة اليوم “مليون ومئتي ألف نازح في المخيمات داخل العراق، و762 ألف نازح بسبب احتلال الميليشيات لأرضهم، و5 ملايين لاجئ في الخارج، و250 ألف معتقل ومختطف ومفقود ومدان، و620 ألف مطلوب مسجلين في حاسبات أمنية، وكل من ذكرناهم متهمون بالإرهاب”.
في السياق ذاته، أيد السياسي العراقي ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، عبر فيسبوك، الثلاثاء، فكرة إنشاء “أقاليم إدارية وليست طائفية”، لكنه أكد أن “الأمر يحتاج إلى قناعة عراقية شاملة بأهميته، وليس دعوة إليه من جهة واحدة، ولا أجد الوقت مناسباً لطرحه”.
















