كتب / أياد العبيدي
ان معركة اليوم الحقيقية ليست مجرد صراع بين الاحزاب، او بين الحكومة والمعارضة، بل هي صراع بين الحقيقة والزيف، بين العقل الحي والوعي الميت. المثقف الذي يختار الصمت امام الظلم، او يشارك في تزيين السلطة، يساهم في استمرار الانحدار الوطني. فالكتابة والشهادات الثقافية لا قيمة لهما اذا كانا بعيدين عن الالتزام بالحق. ان المثقف الحقيقي هو من لا يخشى السلطة، ومن يرفض المهادنة على حساب المبادئ، ومن يرفع صوته دفاعا عن الضمير الجمعي.
اعادة العلاقة بين المثقف والسياسي الى مسارها الصحيح تتطلب استعادة استقلال الفكر، والجرأة في النقد، وتمكين صوت الحقيقة من التعبير بحرية. على المثقف ان يعود الى موقعه الطبيعة حارسا للضمير، مدافعا عن الحق، مستنيرا بالوعي، لا موظفا في بلاط السياسة. وعلى السياسي ان يتعلم ان القوة وحدها لا تصنع دولة حقيقية، وان القرار السياسي الذي يغيب عنه العقل النقدي والمبادئ الاخلاقية لن يؤدي الا الى الانحدار والتدمير.
حين يصالح المثقف ضميره، ويصالح السياسي الحقيقة، يمكن ان يبدأ المجتمع من جديد. في تلك النقطة، يلتقي العقل بالسلطة، ويصبح الضمير الفاعل جزءا من السياسة، حيث تدار الدولة خدمة للانسان لا للهيمنة، ويستعاد التوازن بين الفكر والسياسة، بين النقد والقرار، بين الحرية والمسؤولية. هذه هي المعركة الحقيقية التي تحدد مستقبل الامم، ونجاحها يعتمد على شجاعة المثقف ووعي السياسي، وتفانيهما في العمل من اجل مشروع وطني حقيقي ينهض بالانسان قبل الدولة، وبالعقل قبل القوة.

















