في تحولٍ لافت يؤكد عمق الحراك الشعبي الجنوبي، تحوّل خور المكلا، الذي يُعدّ الشريان الحيوي والعصب الاقتصادي لمدينة المكلا الساحلية، إلى منصة صاخبة تجسّد الإرادة الشعبية والمشهد الديمقراطي المفتوح.
يُمثل هذا الاعتصام نقطة تحول نوعية، حيث تجاوزت المطالب مرحلة المطالبة بالحقوق الاقتصادية والخدمية لترتقي إلى السقف السياسي الأقصى، وهو استعادة دولة الجنوب بحدودها التاريخية. هذا المشهد الجماهيري ليس مجرد تظاهرة، بل هو تعبير عن نفاد الصبر من حالة الجمود السياسي والتأجيل المستمر لملف الجنوب.
د. العمودي يوجه رسائل ثلاث: التقدير، النداء، والتأكيد
في خضم هذا الحراك الجماهيري الحاشد الذي يكتظ به خور المكلا، ارتفع صوت الدكتور حسن الغلام العمودي، رئيس الهيئة التنفيذية لمنسقية المجلس الانتقالي الجنوبي بجامعة حضرموت، مُلقيًا كلمة محورية حمّلت ثلاث رسائل ذات أهمية استراتيجية بالغة.
تحية النصر والانتصارات الاستراتيجية
استهل الدكتور العمودي كلمته بتحية النصر، مُشيدًا بـ “الانتصارات الاستراتيجية” التي تمكنت القوات الجنوبية من تحقيقها على الأرض، خاصة في جبهتي وادي حضرموت والمهرة. ولم تكن هذه الإشادة مجرد تحية عابرة، بل وصفها العمودي بأنها “خطوات عملية ثابتة على طريق استعادة الدولة الجنوبية وتعزيز الموقف التفاوضي والمطالب الجنوبية”. هذه الانتصارات، وفقًا للعمودي، تُشكّل القاعدة الصلبة التي يجب أن يُبنى عليها الإنجاز السياسي المقبل.
نداء مباشر إلى الشركاء الإقليميين: احترام الإرادة الشعبية
الرسالة الثانية كانت عبارة عن نداء صريح وتذكير دبلوماسي قوي موجه إلى التحالف العربي. دعا العمودي التحالف بصوت عالٍ إلى “احترام إرادة شعب الجنوب التي لم تعد قابلة للتأجيل أو المساومة”. تُشير هذه الدعوة بوضوح إلى ضرورة تحوّل نمط الدعم المقدم من التحالف، من مجرد دعم عسكري وأمني ولوجستي، إلى اعتراف سياسي مباشر وثابت بـ حق شعب الجنوب في تقرير مصيره وإعلان دولته. ويُرسل هذا النداء إشارة إلى أن الشعب الجنوبي يتوقع من حلفائه الإقليميين المضي قدمًا في دعم خياراته السياسية العليا.
الشرعية الشعبية: لا عودة للوراء
اختتم الدكتور العمودي رسائله بالتأكيد على الشرعية الشعبية لهذا الحراك. أكد أن هذا الاعتصام الحاشد وما يشهده من إقبال جماهيري متزايد ليس “حدثًا عابرًا أو مناورة موسمية”، بل هو ترجمة حيّة ومستمرة للمطالب الشعبية الجامعة، وتعبير سلمي وحضاري عن الحقوق التاريخية غير القابلة للتصرف التي يمتلكها شعب الجنوب. هذا التأكيد يهدف إلى نزع أي شرعية قد تُمنح لمحاولات تهميش الحراك أو التقليل من وزنه السياسي.
الوفاء للتضحيات: استمرار المسيرة
لم يغب عن كلمة رئيس منسقية الانتقالي بجامعة حضرموت جانب الوفاء والتضحية. خصّ العمودي المشاركين في الاعتصام بالدعاء لـ “أرواح الشهداء الأبرار” الذين رووا بدمائهم أرض الجنوب الطاهرة، وتمنى الشفاء العاجل للجرحى. أكد العمودي أن جوهر هذا الاعتصام هو استمرار لمسيرة النضال المستمرة ولن تتوقف حتى يتم تحقيق الغاية النبيلة التي استشهد هؤلاء الأبطال من أجلها، وهي التحرير والاستقلال وإعلان الدولة.
الضغط الشعبي ينهي اللعبة السياسية
يُرسل الاعتصام في خور المكلا إشارات قوية ومتعددة الأبعاد؛ فهو يُشكّل، من جهة، ضغطًا شعبيًا سلميًا متصاعدًا يضع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي أمام مسؤولية تاريخية وعاجلة لضرورة تحويل المكاسب الميدانية والعسكرية التي تحققت إلى إنجاز سياسي ملموس وفوري.
ومن جهة أخرى، يُعدّ هذا التجمع رسالة تذكير دبلوماسية لاذعة للفاعلين الإقليميين والدوليين، مفادها أن “الجنوب” لم يعد مجرد قضية هامشية أو عابرة ضمن الأزمة اليمنية، بل هو شعب صمّم على استعادة دولته بـ إرادة مطلقة لا تقبل التراجع، وسيحقق هذه الاستعادة سواءً عن طريق السلم والتفاوض السياسي أو في حال الفشل، فـ بسنوات الحرب الطويلة التي أثبت الجنوب قدرته على خوضها وتحقيق الانتصار فيها.
المشهد الذي يسيطر على المكلا اليوم يقول بوضوح لا لبس فيه: “اللعبة السياسية انتهت، وحان وقت الاعتراف بالواقع الجديد على الأرض”. إنها دعوة للجميع، من الداخل والخارج، للانحياز إلى صوت الشعب والاعتراف بحقه في السيادة على أرضه.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















