لم تعد قضية شعب الجنوب العربي حبيسة الميادين أو رهينة الخطابات المحلية، بل دخلت اليوم مرحلة جديدة أكثر نضجًا وتأثيرًا، هي مرحلة تُدار فيها المعركة السياسية بوعي دولي، وتُخاطب فيها العواصم الكبرى بلغة المصالح المشتركة، والقانون الدولي، والحق التاريخي غير القابل للتصرف. فالقضية الجنوبية اليوم لا تُقرأ كأزمة داخلية عابرة، بل كملف سياسي وقانوني وإنساني يرتبط مباشرة بأمن المنطقة واستقرار الملاحة الدولية في واحد من أهم الممرات المائية في العالم.
تحوّل نوعي في مسار القضية الجنوبية
هذا التحول النوعي لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاج مسار طويل من النضال الشعبي الصلب، بدأ من الحراك السلمي في الساحات، وتطوّر إلى فعل سياسي منظم تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي، وصولًا إلى حضور فاعل ومؤثر في الفضاء الدبلوماسي الدولي. ومع اتساع رقعة الزخم الثوري في مختلف محافظات الجنوب العربي، بالتوازي مع تحركات نشطة للجاليات في دول المهجر، بات صوت الجنوب مسموعًا ومؤثرًا خارج حدوده الجغرافية.
لقد أدرك الجنوبيون أن معركتهم الحقيقية ليست فقط في السيطرة على الأرض، بل في كسب تأييد الرأي العام الدولي، وتقديم قضيتهم بوصفها قضية شعب حُرم من دولته بفععل حرب ظالمة، لا مجرد صراع نفوذ بين نخب سياسية. ومع تعمّق الأزمات الإقليمية، أصبح الجنوب العربي جزءًا أصيلًا من معادلة الاستقرار لا هامشًا فيها.
من سرد الألم إلى تثبيت الحق التاريخي
انتقل الخطاب الجنوبي في الوقت الراهن من سردية المظلومية إلى مرحلة “تثبيت الحق”. فالجنوب العربي كان دولة قائمة بذاتها، ذات سيادة ومعترفًا بها دوليًا وعضوًا في الأمم المتحدة والجامعة العربية. لذا، فإن استعادة دولته ليست خروجًا عن الشرعية الدولية، بل هي عودة إلى المسار الطبيعي والتاريخي.
لقد أثبتت الوقائع أن “الوحدة اليمنية” التي فُرضت بالقوة في صيف 1994 تحولت بمرور الوقت إلى عبء سياسي وأمني واقتصادي، ليس على الجنوب وحده، بل على الإقليم بأكمله، حيث وفرت بيئة خصبة لنمو القوى المتطرفة وزعزعة السلم الأهلي.
حضرموت والمهرة: العمق الاستراتيجي للمشروع الجنوبي
في هذا السياق، تبرز محافظتا حضرموت والمهرة بوصفهما عمقًا استراتيجيًا وحضاريًا لمشروع دولة الجنوب العربي الفيدرالية القادمة. الحضور الشعبي والسياسي الكثيف في هاتين المحافظتين يؤكد بوضوح أن المشروع الجنوبي ليس مشروع “مركز” يفرض إرادته، بل هو رؤية دولة حديثة تقوم على:
الشراكة الوطنية: تمثيل كافة المحافظات في صنع القرار.
العدالة الاجتماعية: التوزيع العادل للسلطة والثروة.
الإدارة المحلية: تمكين أبناء المحافظات من إدارة شؤونهم بأنفسهم.
تمثل حضرموت والمهرة ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، بما تمتلكانه من موقع جغرافي حيوي على بحر العرب، وثروات طبيعية هائلة، وحدود مفتوحة على محيط إقليمي ودولي حساس. ومن هنا، فإن استقرار هاتين المحافظتين تحت مظلة المشروع الجنوبي هو ضمانة لاستقرار المنطقة برمتها.
الجاليات الجنوبية: “سفراء الثورة” في المحافل الدولية
بموازاة الحراك الداخلي، تلعب الجاليات الجنوبية في المهجر دورًا متقدمًا في نقل القضية إلى الخارج. لم تعد تحركاتهم مجرد فعاليات رمزية، بل تحولت إلى عمل دبلوماسي منظم يستهدف البرلمانات، ومراكز الأبحاث (Suppose Tanks)، ووسائل الإعلام الدولية الكبرى.
من نيويورك ولندن، إلى برلين وأمستردام، يقدّم أبناء الجنوب روايتهم بلغات العالم الحية، ويفككون السرديات المضللة التي حاولت قوى الاحتلال اليمني ترويجها لعقود. يؤكد هؤلاء السفراء الشعبيون أمام العالم أن مطلب استعادة الدولة هو حق مشروع لشعب كامل، وليس مجرد طموح سياسي لفئة معينة. هذا الحضور المنظم شكّل قوة ضغط سلمية وضعت قضية الجنوب على طاولة النقاشات الدولية الجادة.
الجنوب العربي كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب
تتزايد القناعة الدولية يومًا بعد يوم بأن استعادة دولة الجنوب العربي تمثل ركيزة أساسية للأمن القومي العربي والدولي. وقد أثبتت القوات المسلحة الجنوبية فاعلية استثنائية في:
مكافحة الإرهاب: تطهير مناطق واسعة من تنظيمي القاعدة وداعش.
تأمين الملاحة: حماية خطوط التجارة العالمية في خليج عدن ومضيق باب المندب.
صد التمدد الحوثي: الوقوف حائط صد منيع أمام المليشيات المدعومة من إيران.
هذا الدور العملي عزز من صورة الجنوب كشريك موثوق ومسؤول، ورسّخ فكرة أن قيام دولة جنوبية مستقرة يخدم المصالح الدولية الاستراتيجية بقدر ما يلبي تطلعات شعبها في الحرية والاستقلال.
رسالة الجنوب إلى العالم: السلام يبدأ من عدن
يوجه شعب الجنوب العربي اليوم رسالة واضحة لا لبس فيها: “السلام الحقيقي في المنطقة لا يُبنى على تجاهل القضايا العادلة، ولا على إدارة الأزمات بمسكنات مؤقتة”. إن استعادة الدولة ليست مجرد مطلب عاطفي، بل هي خيار عقلاني وضرورة استراتيجية تضع حدًا لدائرة الصراعات المزمنة.
إن الاعتراف بحق شعب الجنوب العربي في تقرير مصيره هو المفتاح الوحيد لفتح أفق جديد للاستقرار والتنمية في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية. فبدون حل عادل وشامل لقضية الجنوب، ستظل المنطقة رهينة للفوضى والتدخلات الخارجية.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

















