تؤكد الوقائع السياسية والتاريخية، قبل الشعارات والمواقف الآنية، أن حضرموت ليست ساحة عرب تايمازعًا عليها في الهوية أو القرار، بل هي الركيزة الجنوبية الأصيلة التي تشكّل العمق الجغرافي والسياسي والحضاري لشعب الجنوب.
وتقف حضرموت اليوم بوضوح كامل في صف المشروع الجنوبي وقيادته الشرعية، مؤيدةً لقرارات الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، ومنحازة لمسار إعلان دولة الجنوب العربي بوصفه الخيار الاستراتيجي لحماية المنطقة وتجفيف منابع الإرهاب.
حضرموت جنوبية الهوية: تاريخ من التلاحم
لم تكن حضرموت يومًا كيانًا طارئًا على الجنوب، ولا امتدادًا قسريًا لأي مشروع فوقي. فمنذ تشكّل الدولة الجنوبية الحديثة، كانت حضرموت جزءًا فاعلًا في بنيتها السياسية والإدارية والعسكرية. لقد أسهم أبناء حضرموت في بناء كافة مؤسسات الدولة، وصياغة خطابها الوطني، والدفاع عن سيادتها في أصعب المنعطفات.
الهوية الحضرمية، بما تحمله من خصوصية ثقافية واجتماعية ضاربة في الجذور، لم تكن يومًا في تعارض مع الهوية الجنوبية، بل شكّلت أحد أعمدتها الأساسية. فالجنوب تاريخيًا قام على مبدأ “التنوع داخل الوحدة”، والشراكة الحقيقية لا الإقصاء، وهو ما جعل حضرموت حاضرة في الوعي الجمعي باعتبارها قلب الجنوب الاقتصادي وعمقه الاستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
حين تختار الشعوب موقعها: القرار الحضرمي يتجه جنوبًا
في لحظة التحولات الكبرى، لا يُقاس الموقف بما يُفرض من الخارج، بل بما تختاره الشعوب بإرادتها الحرة. والمشهد الحضرمي خلال السنوات الأخيرة أظهر بوضوح أن القرار الشعبي يتجه نحو التكامل الجنوبي، سياسيًا وأمنيًا وميدانيًا.
لقد رفضت حضرموت كافة مشاريع الوصاية، أو محاولات سلخها عن محيطها الطبيعي. وعبرت المكونات الاجتماعية والقبائل والنخب الحضرمية، عبر حشود مليونية وبيانات رسمية، عن تمسّكها بإدارة شؤونها ضمن الإطار الجنوبي الفيدرالي، وبشراكة حقيقية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، بعيدًا عن القوى اليمنية التي استنزفت الثروات لسنوات طويلة.
ثقة الشعب بالرئيس عيدروس الزُبيدي
يحظى الرئيس عيدروس بن قاسم الزُبيدي بثقة سياسية وشعبية عرب تايمامية ومطردة في حضرموت. هذه الثقة نابعة من خطاب سياسي متزن يحترم خصوصية حضرموت ويدعو إلى:
التمكين: منح أبناء حضرموت الحق الكامل في إدارة شؤونهم الإدارية والأمنية.
حماية الثروة: وضع حد لنهب الموارد النفطية وتسخيرها لصالح التنمية المحلية.
الشراكة: بناء دولة جنوبية بنظام فيدرالي يحفظ لكل محافظة حقها وقرارها.
لقد كانت مواقف الزُبيدي رسالة طمأنة واضحة، بأن الجنوب القادم ليس إعادة إنتاج لمركزية مهيمنة، بل دولة مؤسسات تتسع للجميع.
دولة الجنوب العربي: مشروع حماية لا مغامرة سياسية
يأتي مسار إعلان دولة الجنوب العربي في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد. وفي هذا الإطار، يبرز المشروع الجنوبي بوصفه “مشروع استقرار” لا صراع، يرتكز على:
حماية العروبة: الوقوف كحائط صد في واحدة من أهم البوابات الاستراتيجية للعالم.
مكافحة الإرهاب: بناء قوة أمنية قادرة على اقتلاع جذور التطرف.
المسؤولية الدولية: تأمين خطوط الملاحة الدولية في بحر العرب وخليج عدن.
وحضرموت، بموقعها الجغرافي وساحلها الممتد، تشكّل العنصر المحوري في نجاح هذا المشروع الاستراتيجي.
تجربة مكافحة الإرهاب: حضرموت أنموذجًا
قدّمت حضرموت نموذجًا عمليًا مذهرًا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، حين استطاعت قوات النخبة الحضرمية استعادة الأمن في مدن الساحل وتطهيرها من تنظيم القاعدة. هذه التجربة أثبتت أن الأمن الحقيقي يبدأ من القرار المحلي وينجح ضمن مشروع وطني جامع. ومن هنا، فإن اصطفاف حضرموت مع الجنوب هو خيار أمني وجودي يحمي المجتمع ويصون الدولة القادمة من الاختراقات الأمنية.
محاولات فصل حضرموت: أهداف خفية ومشاريع مشبوهة
لا يمكن قراءة الدعوات التي تحاول عزل حضرموت عن جسدها الجنوبي بمعزل عن سياقها التآمري. فهي مشاريع تهدف إلى:
إضعاف الموقف التفاوضي لقضية شعب الجنوب.
إبقاء حضرموت بلا غطاء سياسي متين ليسهل نهب ثرواتها.
فتح الثغرات لعودة قوى النفوذ التقليدية والتنظيمات المتطرفة.
غير أن الوعي الحضرمي بات اليوم أكثر قدرة على التمييز بين مشروع “الدولة الفيدرالية المنشودة” ومشاريع “الفوضى المقنّعة” بشعارات زائفة.
حضرموت والجنوب: رهان المستقبل
في الختام، تظل حضرموت جنوبية الهوية والقرار، لا بالشعارات الفضفاضة، بل بالوقائع التاريخية والتضحيات الجسيمة والمصالح المشتركة. إن وقوف حضرموت مع المجلس الانتقالي الجنوبي ومع مسار إعلان الدولة هو الطريق الوحيد لترسيخ الأمن وبناء مستقبل مزدهر.
إن المعادلة باتت واضحة للجميع: “الجنوب من دون حضرموت مشروع منقوص، وحضرموت من دون الجنوب مشروع مكشوف”. وبين هذا وذاك، يتشكل اليوم خيار الدولة، وخيار الشراكة، وخيار المستقبل السيادي الآمن.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا

















