ترسخت في معادلات السياسة الدولية والمنطقة حقيقة دامغة مفادها أن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق دون استقرار الجنوب العربي وتمكينه سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
فالجنوب العربي، بحكم موقعه الجغرافي الفريد المشرف على أهم الممرات المائية في العالم، لم يعد مجرد ساحة للأحداث أو طرفًا ثانويًا، بل تحوّل إلى عامل توازن أساسي في محيط يعج بالتوترات والصراعات المفتوحة.
في هذا التقرير، نستعرض لماذا أصبح تمكين شعب الجنوب ضرورة دولية، وكيف صنعت التضحيات الجنوبية واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات سلام شاملة.
الموقع الجغرافي: الجنوب العربي كقلب نابض للتجارة العالمية
لا يمكن الحديث عن أمن الطاقة أو سلاسل التوريد العالمية دون الإشارة إلى جغرافيا الجنوب العربي. يمتلك الجنوب ساحلًا يمتد لأكثر من 1200 كيلومتر، ويتحكم فعليًا في المداخل المؤدية إلى باب المندب وخليج عدن.
إن أي مقاربة جادة لأمن المنطقة لا بد أن تنطلق من الاعتراف بدور الجنوب العربي وحقه في إدارة شؤونه وصناعة مستقبله؛ لأن تمكينه يعني ببساطة تأمين شريان الحياة للتجارة الدولية ومواجهة القرصنة والتهديدات البحرية التي تستهدف الاقتصاد العالمي.
التجربة الأمنية: كيف كبح الجنوب جماح الفوضى؟
أثبتت التجربة الميدانية أن الجنوب العربي، حين امتلك زمام قراره وفرض معادلاته الأمنية عبر القوات المسلحة الجنوبية، استطاع أن يحقق ما عجزت عنه جيوش نظامية كبرى.
مكافحة الإرهاب: خاضت القوات الجنوبية معارك وجودية ضد تنظيمي القاعدة وداعش، وطهرت محافظات أبين وشبوة ولحج من بؤر التطرف.
كبح التمدد الميليشياوي: وقف الجنوب حائط صد منيع أمام المشروع الحوثي، مانعًا تمدد النفوذ الإيراني إلى بحر العرب والمحيط الهندي.
الانضباط المؤسسي: أسس الجنوب لواقع أمني قائم على الاحترافية، مما جعل مدن الجنوب اليوم أكثر استقرارًا وقدرة على احتضان العمل المؤسسي والدبلوماسي.
فاتورة التضحيات: مسار وطني لا يقبل الانكسار
ولم تكن هذه النجاحات وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة تضحيات جسيمة قدمها أبناء الجنوب، رسّخت قناعة راسخة بأن هذا المسار السيادي هو الخيار الوحيد الممكن لحماية الأرض والإنسان معًا.
إن الدماء التي سُفكت في ميادين الشرف، وصمود المقاتلين في الجبهات، وتماسك المجتمع الجنوبي خلف قيادته السياسية المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي، كلها عوامل جعلت التراجع خيارًا مستحيلًا. فأي محاولة للالتفاف على تطلعات شعب الجنوب أو العودة إلى “مربعات التهميش” تعني فتح أبواب الفوضى مجددًا، وإعادة إنتاج بيئة خصبة للتطرف، وهي معادلة جربها الجميع وأثبتت فشلها الذريع طوال العقود الماضية.
التمكين السياسي والاقتصادي: ضرورة إقليمية ودولية
يدرك القادة في الجنوب العربي أن الاستقرار لا يُمنح كمنحة، بل يُنتزع عبر الإرادة وبناء المؤسسات القوية. ومن هنا، يبرز تمكين الجنوب كأولوية في ثلاثة ملفات رئيسية:
الملف السياسي: الاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته الفيدرالية المستقلة.
الملف الأمني: دعم القوات الجنوبية وتطوير قدراتها بصفتها “شريك مكافحة الإرهاب” الأكثر موثوقية في المنطقة.
الملف الاقتصادي: إعادة تفعيل مؤسسات الدولة في عدن، وتحقيق الاستقلال المالي الذي يضمن توفير الخدمات للمواطنين بعيدًا عن سياسات التعطيل.
تمكين الجنوب ليس مطلبًا محليًا فحسب، بل هو ضرورة إقليمية ودولية، لما يمثله من خط دفاع أول في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وحماية خطوط الملاحة والمصالح الدولية المشتركة.
رسالة الجنوب إلى العالم: الاستقرار خيار استراتيجي
وفي هذا الإطار، يبعث الجنوب العربي برسالة واضحة لا لُبس فيها إلى المجتمع الدولي والإقليمي: “الاستقرار خيار استراتيجي لا رجعة عنه”. إن أي عبث بالواقع القائم في الجنوب، أو محاولة لفرض حلول قسرية لا تلبي تطلعات شعبه، لن تؤدي إلا إلى زعزعة الأمن الإقليمي وإعادة إنتاج الفوضى التي دفعت المنطقة ثمنها باهظًا في السنوات الماضية.
إن الجنوب العربي اليوم أقوى بإرادته ومؤسساته، وهو يمد يده للسلام العادل الذي يضمن الحقوق والسيادة، مؤكدًا أن الاستقرار الحقيقي يبدأ من جنوبٍ آمن، ممكّن، وقادر على حماية نفسه والإسهام في أمن محيطه.
خارطة الطريق نحو المستقبل
عليه، فإن الجنوب العربي ماضٍ في مساره بثبات، مستندًا إلى شرعية تضحياته وإرادة شعبه التي لا تلين. إن المعادلة اليوم واضحة:
لا أمن في البحر الأحمر وخليج عدن دون جنوب مستقر.
لا مكافحة ناجحة للإرهاب دون دعم القوات الجنوبية.
لا سلام شامل في المنطقة دون حل عادل لقضية شعب الجنوب.
إن المستقبل يُكتب الآن بدماء الأبطال وعزيمة السياسيين، والجنوب العربي هو الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















