في قلب وادي حضرموت، وتحديدًا في مدينة سيئون، يواصل مخيم الاعتصام الشعبي المفتوح تقديم نموذج فريد للنضال السلمي الواعي، حيث تحول المخيم من ساحة للمطالبة بالحقوق إلى منارة فكرية وثقافية تجمع بين التمسك بالجذور والتخطيط للمستقبل.
وشهد المخيم اليوم الأحد فعاليات نوعية جمعت بين عبق التراث واستحقاقات العدالة، وسط حضور مهيب من شيوخ وأعيان مديرية رِسَب، في رسالة واضحة على تلاحم كافة المكونات الاجتماعية والقبلية في وادي وصحراء حضرموت خلف أهداف الاعتصام.
التراث الحضرمي الجنوبي: درع الهوية ومعركة الوعي
ضمن البرنامج التوعوي للمخيم، أقيمت محاضرة حيوية بعنوان “التراث الثقافي الحضرمي الجنوبي”، قدمها المهندس ماجد الكربي. ولم تكن المحاضرة مجرد استعراض تاريخي، بل كانت وقفة استراتيجية لتأكيد الهوية.
محاور ترسيخ الهوية:
حماية التاريخ من الطمس: استعرض الكربي المحاولات الممنهجة التي تعرض لها التراث الحضرمي الجنوبي عبر العقود الماضية لطمسه أو تذويبه، مؤكدًا أن الحفاظ على هذا التراث هو جزء لا يتجزأ من معركة الاستقلال الوطني.
التراث كرافعة وطنية: الإشارة إلى أن الخصوصية الثقافية لحضرموت هي الرافد الأقوى للهوية الجنوبية الجامعة، وأن الاعتزاز بهذا الموروث هو ما يبني جيلًا واعيًا بحقوقه السياسية والتاريخية.
الالتفاف القبلي: عكس حضور وفد مديرية رِسَب مدى اتساع الحاضنة الشعبية للاعتصام، حيث يرى أبناء القبائل في هذا التراث ميثاقًا يربطهم بأرضهم ودولتهم الجنوبية المنشودة.
العدالة الانتقالية: الركيزة القانونية لبناء دولة الجنوب العربي
في جانب آخر لا يقل أهمية، شهد المخيم محاضرة توعوية بعنوان “العدالة الانتقالية”، قدمها عبدالعزيز لكمان. وتأتي هذه الندوة في توقيت حساس يطالب فيه الجنوبيون بوضع أسس لدولتهم القادمة تضمن عدم تكرار مآسي الماضي.
أهداف العدالة الانتقالية في الرؤية الجنوبية:
إنصاف الضحايا: معالجة آثار الصراعات الممتدة منذ عقود، وضمان رد الاعتبار لكل من تضرر من سياسات الإقصاء والتهميش.
ترسيخ السلم المجتمعي: بناء جسور الثقة بين مختلف فئات المجتمع الجنوبي لضمان جبهة داخلية صلبة.
دولة النظام والقانون: التأكيد على أن الدولة الجنوبية القادمة لن تُبنى على الانتقام، بل على أسس قانونية عادلة تضمن المساءلة والشفافية، وهي المبادئ التي تجعل من “العدالة الانتقالية” ركيزة الاستقرار المستدام.
مخيم سيئون: حراك سلمي منظم يتجاوز المطالب الآنية
ما يميز مخيم الاعتصام في سيئون هو استمراريته في تنظيم فعاليات وطنية عرب تايموعة. هذا النفس الطويل في النضال يعكس إرادة صلبة لا تلين لدى أبناء وادي وصحراء حضرموت.
ندوات سياسية وثقافية: تحول المخيم إلى “برلمان شعبي” مصغر يتم فيه تداول الأفكار السياسية وبناء الوعي الوطني.
استقبال الوفود القبلية: يومًا بعد يوم، يتوافد شيوخ القبائل والأعيان من مختلف مديريات الوادي والصحراء، مما يسقط الرهانات على تفكيك النسيج الحضرمي أو عزله عن محيطه الجنوبي.
النضال السلمي المنظم: يثبت أبناء سيئون أن السلمية هي السلاح الأقوى في مواجهة التحديات، وأن التنظيم العالي هو ما يوصل الرسالة بوضوح إلى المجتمع الدولي والإقليمي.
دلالات المشاركة الواسعة لأبناء “رِسَب” ووادي حضرموت
إن انضمام وفد مديرية رِسَب إلى مخيم الاعتصام يحمل دلالات سياسية عميقة، أهمها أن حضرموت الوادي والصحراء قد حسمت خيارها بالوقوف صفًا واحدًا مع تطلعات شعب الجنوب. هذا الالتفاف الشعبي يؤكد أن مطالب إخراج القوات الغريبة وتولي أبناء الأرض شؤونهم الأمنية والعسكرية هي مطالب مجمع عليها قبليًا ومجتمعيًا.
الطريق نحو المستقبل يبدأ بالوعي
إن ما يحدث في مخيم اعتصام سيئون اليوم هو “ثورة وعي” تسبق وتواكب الثورة السياسية. فالبحث في التراث الثقافي والتعمق في مفاهيم العدالة الانتقالية يعني أن الجنوبيين يجهزون أنفسهم لإدارة دولة حديثة، عادلة، ومتمسكة بجذورها التاريخية.
سيظل مخيم سيئون رمزًا لصمود حضرموت في وجه محاولات التهميش، ومنطلقًا نحو تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة في استعادة الدولة والسيادة، مع الحفاظ على الخصوصية الحضرمية كجوهر للهوية الجنوبية.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا















