لم تعد قضية الجنوب العربي مجرد ملف حبيس السجالات السياسية الداخلية أو ورقة مؤجلة على طاولات التفاوض الإقليمي، بل تحولت اليوم إلى واحدة من أكثر القضايا حضورًا وتأثيرًا في حسابات الأمن والاستقرار الدوليين.
يشهد المشهد السياسي العالمي تحولًا جذريًا في قراءة الواقع الجنوبي، بعد أن أثبتت الوقائع الميدانية أن تجاهل إرادة شعب الجنوب لم يفرز سوى أزمات متراكمة وصراعات مفتوحة هددت أمن الممرات المائية والاقتصاد العالمي.
قضية شعب لا نزاع سلطة
في ظل تعقيدات المشهد اليمني، يبرز الجنوب العربي كمعادلة مستقلة بذاتها. القضية هنا ليست صراعًا على محاصصة في سلطة مركزية، بل هي قضية شعب يمتلك هوية وطنية ضاربة في الجذور وحقًا مشروعًا في استعادة الدولة التي تمت مصادرتها بالقوة عقب حرب صيف 1994م.
الجنوب العربي ليس كيانًا طارئًا على الجغرافيا، واختزال قضيته في كونها حراكًا سياسيًا عابرًا هو خطأ فادح يقع فيه بعض المتابعين. فالجنوب كان دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وعضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وما يطالب به الجنوبيون اليوم هو “تصحيح مسار تاريخي” اختل بفعل القوة العسكرية.
الإجماع الشعبي وتفويض المجلس الانتقالي
لقد تجاوز الحراك الجنوبي مرحلة النخب السياسية ليصبح “إجماعًا مجتمعيًا” شاملًا. من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، توحدت القبائل والنقابات ومنظمات المجتمع المدني خلف مشروع واحد. هذا الاصطفاف الشعبي منح المجلس الانتقالي الجنوبي تفويضًا سياسيًا غير مسبوق لتمثيل تطلعات الشعب في أي تسوية قادمة.
عناصر القوة الجنوبية على الأرض:
الحاضنة الشعبية: تلاحم جماهيري ظهر جليًا في المليونيات الشعبية بعدن والمكلا.
القوة العسكرية: قوات مسلحة جنوبية منظمة أثبتت كفاءتها في حماية الأرض.
الإدارة الواقعية: الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الهياكل المؤسسية القادرة على إدارة الواقع المعيشي.
حق تقرير المصير: مقاربة قانونية دولية
يستند الجنوب العربي في مطالبه إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي تكفل للشعوب التي تعرضت للإقصاء حق تقرير مصيرها. الاعتراف بهذه الإرادة ليس تهديدًا للاستقرار كما يروج البعض، بل هو استثمار حقيقي في السلام، يؤسس لعلاقات مستقبلية متوازنة وقائمة على حسن الجوار بين دولتين.
الأمن القومي العربي والمصالح الدولية
تتجاوز أهمية قيام دولة جنوبية مستقرة حدودها الجغرافية لتصل إلى عمق الأمن القومي العربي. يشرف الجنوب العربي على شريط ساحلي استراتيجي يمتد من البحر العربي عبر خليج عدن وصولًا إلى مضيق باب المندب، وهو ما يجعله المتحكم الفعلي في واحد من أهم طرق التجارة العالمية.
الجنوب كشريك موثوق ضد الإرهاب
أثبتت السنوات الماضية أن القوات المسلحة الجنوبية هي الشريك الأكثر موثوقية في الحرب الدولية على الإرهاب. نجحت هذه القوات في تفكيك بؤر تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في محافظات أبين وشبوة وحضرموت، وهو دور محوري جعل من الجنوب عنصرًا فاعلًا في معادلة الأمن الإقليمي. قيام دولة جنوبية سيحول هذه الجهود من “رد فعل عسكري” إلى “مسار مؤسسي مستدام” يخدم الأمن المحلي والدولي.
المجتمع الدولي أمام لحظة الحقيقة
يقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة اليوم أمام خيارين: إما الاستمرار في سياسة “الترقيع” وإدارة الأزمات، أو الانخراط الجاد في دعم حل جذري يعترف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته. إن الاعتراف بقضية الجنوب العربي كـ “حل” وليس “عائقًا” هو المدخل الوحيد لفتح أفق جديد للاستقرار في المنطقة.
إن أي تسوية سياسية تتجاهل تطلعات شعب الجنوب في صلب معادلتها هي تسوية محكومة بالفشل المسبق، لأن الجنوبيين اليوم يمتلكون الأرض، والقرار، والقوة القادرة على حماية خياراتهم الوطنية.
إن الانتقال الجنوبي من “الحراك الثوري” إلى “التأسيس المؤسسي” يعكس نضجًا سياسيًا كبيرًا. استعادة دولة الجنوب العربي ليست مجرد مطلب عاطفي، بل هي ضرورة جيوسياسية لضمان انسياب الملاحة الدولية ومواجهة التهديدات العابرة للحدود مثل القرصنة والتهريب.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















