تظل دولة الجنوب العربي، بتاريخها الحضاري العريق ونظامها الإداري المتطور، شاهدًا حيًا على حق سيادي لا يسقط بالتقادم، فالدولة التي كانت عضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتمتلك اعترافًا دبلوماسيًا كاملًا من الأسرة الدولية، لم تكن مجرد عابر سبيل في التاريخ السياسي للمنطقة، بل ولدت من مخاض ثورة 14 أكتوبر 1963م، وتوجت باستقلال ناجز في 30 نوفمبر 1967م.
جذور القضية: من السيادة الكاملة إلى “فخ” الوحدة
بعد مسيرة حافلة بالإنجازات في قطاعات التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية، دخلت دولة الجنوب في عام 1990م في وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية. يصفها المحللون اليوم بأنها كانت “لحظة عاطفية مثالية” قادتها نخب قومية لم تدرك نيات الطرف الآخر.
لم تلبث هذه الوحدة أن كشفت عن وجهها القبيح في صيف 1994م، حين شنت القوى الشمالية (بتحالف قبلي وعسكري وأيدلوجي متطرف) حربًا ظالمة على الجنوب، حولت الشراكة إلى احتلال عسكري، والوحدة إلى غنيمة حرب، مما دفع القيادة الجنوبية لإعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994م.
عقود من الاحتلال: المظالم والمقاومة الصلبة
منذ عام 1994 وحتى اليوم، رزح شعب الجنوب تحت نير نظام مارس أبشع أنواع التمييز والتهميش. لقد تم تدمير البنية التحتية، وتسريح الكفاءات العسكرية والمدنية، وتحويل الجنوب إلى ساحة لتصفية الحسابات والاغتيالات.
إلا أن إرادة الجنوبيين لم تنكسر، بل تبلورت في حركات مقاومة صلبة بدأت بـ “موج” و”حتم” و”تاج”، وصولًا إلى انطلاق الحراك الجنوبي السلمي الذي مثل القاعدة الشعبية العريضة لرفض التواجد الشمالي بكافة أشكاله (العفاشي، الإخواني، والحوثي).
محطات فاصلة في مسيرة النضال:
ثورة أكتوبر 1963: شرارة التحرر ضد المستعمر البريطاني.
نوفمبر 1967: نيل الاستقلال وإعلان الدولة السيادية.
مايو 1994: إعلان فك الارتباط ردًا على الحرب والعدوان.
مارس 2015: التصدي للغزو الحوثي العفاشي الثاني وإلحاق الهزيمة به.
عاصفة الحزم والتحول الاستراتيجي
جاءت عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتمثل منعطفًا حاسمًا. فرغم نضال الجنوبيين الذاتي، إلا أن الدعم اللوجستي والعسكري من دول التحالف ساهم في ترتيب صفوف القوات المسلحة الجنوبية، مما مكنها من كسر المشروع الإيراني (الحوثي) وتأمين الجغرافيا الجنوبية.
اليوم، أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي هو المفوض الشعبي والسياسي لحمل تطلعات هذا الشعب إلى المحافل الدولية.
استعادة الدولة: صمام أمان للأمن الإقليمي والدولي
يرى المحللون السياسيون أن استعادة دولة الجنوب ليست مجرد مطلب عاطفي، بل هي ضرورة أمنية دولية. فالدولة الجنوبية المستقلة تمثل:
حماية الملاحة الدولية: في أهم الممرات المائية (باب المندب وخليج عدن).
مكافحة الإرهاب: حيث أثبتت القوات الجنوبية نجاحات منقطعة النظير في تجفيف منابع التنظيمات المتطرفة (القاعدة وداعش).
قطع يد إيران: من خلال تأمين الحدود ومنع عمليات التهريب التي تغذي المليشيات الحوثية.
المطالب الجنوبية أمام المجتمع الدولي
تتلخص رؤية الشعب الجنوبي وقيادته في نقاط جوهرية يجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الرباعية استيعابها:
حق تقرير المصير: المبدأ القانوني المكفول دوليًا للشعوب التي تعرضت للاضطهاد والاحتلال.
الاعتراف بالواقع: الجنوب اليوم يمتلك جغرافيا مؤمنة، قوات مسلحة منظمة، وإرادة شعبية صلبة لا يمكن تجاوزها.
فشل التسويات السابقة: كل الاتفاقيات التي تجاهلت القضية الجنوبية (كالمبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة) باءت بالفشل، لأنها حاولت القفز فوق “جوهر الأزمة”.
تحليل استقصائي: لماذا الجنوب هو الحل؟
إن التجاهل المستمر لإرادة شعب الجنوب هو ما يطيل أمد الصراع في اليمن. فاستقرار المنطقة يبدأ من اعتراف دولي وإقليمي بأن الجنوب العربي كان دولة ذات سيادة، واستعادتها هي “تصحيح لمسار تاريخي” وليس انفصالًا كما تروج الماكينات الإعلامية للإخوان والحوثيين.
لماذا يثق الشعب بالرئيس عيدروس الزبيدي؟
لقد حظي الزبيدي بتفويض شعبي كاسح لأنه حول المطالب الميدانية إلى مشروع سياسي دبلوماسي، ونجح في تقديم الجنوب كشريك فاعل وموثوق في مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية، بعيدًا عن “السرديات المضللة” التي تصوّر القضية على أنها مجرد بحث عن سلطة.
استعادة الدولة قدر ومصير
إن ما تعرض له شعب الجنوب من قتل، تهجير، وتدمير منهجي يرتقي إلى مستوى “الإبادة الجماعية”، مما يجعل العودة إلى “مربع الوحدة” أمرًا مستحيلًا من الناحية الواقعية والإنسانية. استعادة دولة الجنوب هي الضمانة الوحيدة لكرامة المواطن الجنوبي، وهي الاستثمار الحقيقي في السلام الدائم لمستقبل شبه الجزيرة العربية.
إن حق تقرير المصير ليس منحة من أحد، بل هو استحقاق انتزعه الجنوبيون بتضحيات جسيمة وقوافل من الشهداء، وسيظلون يناضلون حتى يرفرف علم الجنوب العربي فوق كل مؤسسات الدولة المستقلة.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا















