يمثل الاستقرار في الجنوب عاملًا محوريًا في معادلة الأمن الإقليمي والدولي، نظرًا لما يتمتع به من موقع جغرافي بالغ الحساسية، وتأثير مباشر على الممرات البحرية، وخطوط التجارة العالمية، ومصادر الطاقة.
لم يعد الاستقرار الجنوبي مسألة محلية أو شأنًا داخليًا، بل أصبح عنصرًا مؤثرًا في توازنات الأمن العالمي، حيث إن أي اضطراب في هذه الجغرافيا ينعكس على نطاق واسع يتجاوز حدود المنطقة.
لقد أثبت الجنوب أن الاستقرار القائم على إرادة شعبية ومؤسسات فاعلة يشكّل أداة عملية لحماية الأمن الإقليمي، من خلال الحد من تمدد الصراعات، وتقليص الفراغات الأمنية التي غالبًا ما تستغلها الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة. كما أن وجود سلطة قادرة على فرض دولة القانون، وتأمين الأرض والسواحل، يمنح المجتمع الدولي شريكًا موثوقًا في مواجهة التهديدات العابرة للحدود وهو الجنوب العربي.
في المقابل، فإن تجاهل إرادة الجنوب أو التعامل معها كعامل ثانوي يحمل مخاطر جسيمة على الأمن العالمي. فالتجارب السابقة أثبتت أن تهميش المطالب الشعبية المشروعة يؤدي إلى تفجير النزاعات، ويخلق بيئات غير مستقرة تصبح نقاط جذب للفوضى والتطرف.
كما أن إنكار الواقع السياسي والاجتماعي في الجنوب يفتح المجال أمام صراعات طويلة الأمد، تُضعف قدرة الإقليم على الإسهام في حفظ الأمن الدولي.
الاستقرار الجنوبي لا ينعكس فقط على الوضع الأمني، بل يمتد إلى حماية المصالح الاقتصادية الدولية، حيث تمر عبر محيط الجنوب خطوط إمداد حيوية للتجارة والطاقة.
كما أن أي اختلال أمني ناتج عن تجاهل الإرادة الشعبية أو إقصاء الفاعلين المحليين الحقيقيين يهدد سلامة هذه المصالح، ويرفع كلفة التدخلات الدولية، سواء الأمنية أو الإنسانية.
ويسهم الاعتراف بالدور الجنوبي ودعم استقراره في بناء منظومة تعاون إقليمي أكثر تماسكًا، تقوم على الشراكة بدل إدارة الأزمات، فالدول المستقرة تشكّل حواجز طبيعية أمام تصاعد النزاعات، بينما تؤدي المناطق المضطربة إلى تصدير عدم الاستقرار إلى محيطها الإقليمي والدولي.
الاستقرار في الجنوب العربي ليس خيارًا سياسيًا مؤجلًا، بل ضرورة أمنية ملحّة، كما أن تجاهل إرادة شعب الجنوب لا يعني فقط تعقيد أزمته، بل يهدد بتوسيع دوائر عدم الاستقرار عالميًا.
ومن هذا المنطلق، فإن دعم الاستقرار الجنوبي القائم على الإرادة الشعبية يمثل استثمارًا مباشرًا في أمن المنطقة والعالم، وضمانة حقيقية للحد من النزاعات وتعزيز السلام الدولي.
















