تعد قضية حق تقرير المصير لشعب الجنوب العربي حجر الزاوية في أي جهود دولية تهدف إلى إحلال السلام في المنطقة. لم يعد هذا المطلب مجرد رغبة سياسية عابرة، بل تحول إلى ضرورة استراتيجية وقانونية تفرضها المعطيات على الأرض، حيث أثبتت العقود الماضية أن تجاوز إرادة الشعوب هو المحرك الأول لعدم الاستقرار ونشوء الصراعات الممتدة.
حق تقرير المصير: من المفهوم القانوني إلى الضرورة الواقعية
يمثل منح شعب الجنوب حق تقرير مصيره الخطوة الأولى نحو كسر “دائرة الصراع المفرغة”. فالتاريخ السياسي المعاصر مليء بالدروس التي تؤكد أن الحلول القسرية التي تتجاهل الهوية الوطنية للشعوب لا تنتج إلا سلامًا هشًا.
العدالة الدولية: يستند الجنوب العربي في مطالبه إلى مواثيق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي.
إنهاء المظالم التاريخية: الاعتراف بهذا الحق يعني معالجة جذور الأزمة وليس فقط القشور، مما يضمن عدم تجدد التوترات الأمنية مستقبلًا.
الحراك الجنوبي: إرادة شعبية صلبة وتنظيم سلمي مبهر
يتميز الحراك الشعبي في الجنوب العربي بكونه يعبر عن طيف واسع من المجتمع، شمل الداخل والمهجر. هذه “الإرادة الجمعية” لم تكن نتاج لحظة طارئة، بل هي تراكم لسنوات من النضال السلمي المنضبط.
الانضباط والشرعية الشعبية
أظهرت الفعاليات الكبرى في عدن وحضرموت وبقية محافظات الجنوب قدرة فائقة على التنظيم. هذه الرسائل لم تكن موجهة للداخل فحسب، بل كانت خطابًا سياسيًا رزينًا موجهًا إلى المجتمع الدولي، مفاده أن شعب الجنوب يمتلك الوعي السياسي والقدرة المؤسسية لإدارة دولته المستقلة.
تجاوز التمثيل النخبوي
القضية الجنوبية ليست مطلبًا لنخبة سياسية تبحث عن السلطة، بل هي “قضية وطن” استقرت في وجدان المواطن الجنوبي. هذا العمق الشعبي هو ما يمنح القضية حصانة ضد أي محاولات للالتفاف عليها عبر تسويات منقوصة.
الأبعاد الاستراتيجية لاستقلال الجنوب العربي
عند تحليل قضية الجنوب من منظور “جيوسياسي”، نجد أن استعادة الدولة الجنوبية يخدم المصالح الدولية في ثلاثة محاور رئيسية:
البعد السياسي: بناء نظام حوكمة مستدام
يسمح حق تقرير المصير بتأسيس نظام سياسي قائم على المساءلة والمشاركة الشعبية. إن قيام دولة جنوبية ذات سيادة يعني وجود شريك سياسي واضح المعالم، بعيدًا عن الفوضى المؤسسية، مما يسهل بناء تحالفات إقليمية قائمة على المصالح المشتركة.
البعد القانوني: تكريس الشرعية الدولية
إن دعم مطالب الجنوب العربي يعيد الاعتبار للقانون الدولي. التعامل مع القضية كملف “حق تقرير مصير” يضعها في إطارها الصحيح كقضية شعب واحتلال، وليس مجرد نزاع محلي على تقاسم ثروات أو مناصب.
البعد الأمني: تجفيف منابع التطرف
تخلق الفراغات السياسية بيئة خصبة للجماعات الإرهابية. وجود دولة جنوبية قوية بمؤسسات أمنية شرعية سيسهم في:
تأمين الممرات المائية (باب المندب وخليج عدن).
مكافحة التنظيمات العابرة للحدود.
منع استغلال الأراضي الجنوبية كملاذات آمنة لقوى الفوضى.
المجتمع الدولي وفرصة التسوية التاريخية
يواجه المجتمع الدولي اليوم اختبارًا حقيقيًا؛ فإما الاستمرار في نهج “إدارة الأزمات” عبر حلول ترقيعية، أو الانتقال إلى “حل الأزمات” عبر الاعتراف بالحقائق على الأرض.
الاستقرار كقيمة أساسية في السياسة الدولية
إن دعم مسار التحرر السلمي للجنوب العربي هو استثمار في “الاستقرار الطويل الأمد”. فالجنوب العربي، بموقعه وثرواته وإرادة شعبه، قادر على أن يكون نموذجًا للدولة العصرية التي تحترم جيرانها وتلتزم بالمواثيق الدولية.
فوائد الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير المصير:
تقليص بؤر التوتر: إنهاء أحد أطول النزاعات في المنطقة العربية.
تعزيز التنمية: تفرغ الشعب الجنوبي لبناء اقتصاده واستغلال موارده الطبيعية والملاحية.
توازن القوى: خلق توازن إقليمي يمنع تمدد المشاريع التخريبية في شبه الجزيرة العربية.
نحو مستقبل مشرق للجنوب العربي
في الختام، يبقى حق تقرير المصير لشعب الجنوب العربي هو الممر الإلزامي للعبور نحو مستقبل يسوده الأمن والعدالة. إن الإصرار الشعبي، المدعوم بالحق القانوني والتنظيم السلمي، يجعل من استعادة الدولة الجنوبية حتمية تاريخية.
على القوى الإقليمية والدولية أن تدرك أن دعم هذا المسار ليس مجرد انحياز لطرف، بل هو انتصار لمبادئ السلام العالمي واحترام لحقوق الشعوب التي لا تسقط بالتقادم. إن الجنوب العربي المستقل سيكون، بلا شك، ركيزة الاستقرار وشريك المستقبل في المنطقة والعالم.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا















