تمثل قضية استعادة دولة الجنوب العربي اليوم الرقم الأصعب في معادلة الشرق الأوسط، فهي ليست مجرد شعار سياسي أو مطالب فئوية عابرة، بل هي تعبير حي عن إرادة شعبية راسخة صقلتها عقود من النضال والتضحيات الجسيمة. إنها قضية وجود ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحق الشعوب الأصيل في تقرير مصيرها، وهو الحق الذي كفلته كافة المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية.
جذور القضية: عقود من الإقصاء والنضال السلمي
لم تكن المطالبة باستعادة الدولة وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات تاريخية من الإقصاء والتهميش الممنهج الذي مورس ضد شعب الجنوب. منذ عام 1994، تعرض الجنوب العربي لمحاولات طمس الهوية ونهب المقدرات، مما حول الوحدة السياسية إلى واقع من “الاحتلال” في نظر أبناء الجنوب.
هذا الواقع أنتج وعيًا جمعيًا عميقًا بضرورة الانفصال وبناء دولة جنوبية حديثة. وقد أثبت شعب الجنوب، من خلال مسيرات الحراك السلمي وصولًا إلى المقاومة المسلحة ضد التمدد الحوثي، أن تطلعاته تنبع من إيمان راسخ بالحرية. إن هذا الوعي ليس مجرد عاطفة، بل هو مشروع سياسي متكامل لبناء مستقبل آمن ومستقر يقوم على الشراكة الوطنية الحقيقية.
استعادة الدولة كمطلب للعدالة التاريخية
تندرج قضية شعب الجنوب العربي ضمن مسار “العدالة التاريخية”. فغياب التمثيل العادل والاعتداء على الحقوق السياسية والاجتماعية أدى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها. ومن هنا، يبرز خطاب النخب الجنوبية ليؤكد أن استعادة الدولة لا تمثل تهديدًا للجيران أو المجتمع الدولي، بل هي المدخل الواقعي الوحيد لمعالجة جذور الصراع في اليمن والمنطقة.
إن بناء دولة جنوبية تحترم القانون والمؤسسات وتلتزم بمبادئ السلام العالمي، هو الضمانة الحقيقية لعدم انزلاق المنطقة نحو فوضى دائمة. فالجنوب بحدوده الجغرافية وتاريخه السياسي يمتلك كافة مقومات الدولة الناجحة التي يمكنها أن تكون شريكًا فاعلًا في مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات الملاحية الدولية.
من المحلية إلى العالمية: نضج الخطاب السياسي الجنوبي
نجح الجنوب العربي، بفضل قيادته السياسية المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي والالتفاف الشعبي حوله، في نقل القضية من حيزها المحلي الضيق إلى أروقة المحافل الدولية. لم يعد صوت الجنوب محصورًا في الساحات والميادين، بل أصبح حاضرًا بقوة في طاولة المفاوضات الإقليمية والدولية.
هذا التحول يعكس نضجًا سياسيًا كبيرًا؛ حيث استطاع الجنوبيون تقديم خطاب عقلاني يتسم بالدبلوماسية والرزانة، مع التمسك بالثوابت الوطنية. إن العالم اليوم ينظر إلى القضية الجنوبية بوصفها قضية عادلة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية شاملة. إن منح شعب الجنوب حق تقرير المصير هو المفتاح لإنهاء دوامة الأزمات التي عصفت بالمنطقة لسنوات طويلة.
الارتباط الوثيق بين استقرار الجنوب والأمن الإقليمي
يرتبط أمن واستقرار منطقة الخليج والجزيرة العربية، بل والعالم أجمع، باستقرار الجنوب العربي. بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به الجنوب، خاصة إشرافه على مضيق باب المندب، فإن وجود دولة مستقرة وقوية في الجنوب يعد ضرورة استراتيجية.
إن دعم حق شعب الجنوب في تقرير مصيره يسهم مباشرة في:
تعزيز الأمن والسلم الإقليميين: من خلال قطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة والقوى التوسعية.
تأمين التجارة العالمية: بضمان حماية الممرات الملاحية الحيوية.
إيقاف النزيف الإنساني: عبر الوصول إلى حل سياسي مستدام ينهي مسببات الحروب.
في المقابل، فإن تجاهل الإرادة الشعبية الجنوبية ومحاولة فرض حلول قسرية لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد النزاع واستنزاف الموارد، فالشعوب التي تقرر نيل حريتها لا يمكن كسر إرادتها مهما طال الزمن.
رسالة إلى المجتمع الدولي: الإنصاف أولًا
يستحق الجنوب العربي، بالنظر إلى عدالة قضيته وحجم التضحيات التي قدمها، دعمًا صريحًا من المجتمع الدولي. لقد أثبت شعب الجنوب أنه شريك موثوق في الدفاع عن القيم الإنسانية ومحاربة الإرهاب العابر للحدود.
إن التمكين من ممارسة حق تقرير المصير ليس منحة، بل هو استحقاق طبيعي لشعب أثبت قدرته على إدارة شؤونه بوعي ومسؤولية حتى في أحلك الظروف. إن الخطوة الضرورية الآن هي الاعتراف الصريح بحق هذا الشعب في اختيار مساره السياسي، وترسيخ مستقبل يقوم على احترام الكرامة الإنسانية وإرادة الشعوب.
بناء الدولة الجنوبية: رؤية للمستقبل
لا يتوقف الطموح الجنوبي عند استعادة السيادة فحسب، بل يمتد لبناء دولة مدنية حديثة تتسع لكل أبنائها. دولة تقوم على:
المواطنة المتساوية: حيث لا تمييز بين منطقة وأخرى أو قبيلة وأخرى.
النهضة الاقتصادية: باستغلال الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الفريد للنهوض بمستوى معيشة المواطن.
الديمقراطية والتعددية: لضمان تداول سلمي للسلطة وحماية الحريات العامة.
إن هذه الرؤية هي ما تجعل الشعب الجنوبي ملتفًا حول قيادته، صامدًا أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية، ومؤمنًا بأن فجر الدولة القادمة لا محالة سيبزغ من رحم هذا النضال الطويل.
إن استعادة دولة الجنوب العربي هي ضرورة تاريخية، ومطلب شعبي لا يقبل المساومة، وضرورة أمنية إقليمية ودولية. إن الاعتراف بهذا الحق هو المسار الوحيد لطي صفحة الحروب في المنطقة والبدء في مرحلة جديدة من البناء والتنمية والتعايش السلمي بين كافة شعوب المنطقة. شعب الجنوب قال كلمته، وهي كلمة لا رجعة عنها: “استعادة الدولة أو الموت دونها”.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















