تتصدر قضية الجنوب العربي المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط كقضية سياسية وطنية، بل كضرورة أمنية دولية مرتبطة باستقرار أهم ممرات الملاحة العالمية.
يمتلك الجنوب العربي موقعًا جغرافيًا فريدًا يشرف على خليج عدن وباب المندب، مما يجعله الرقم الأصعب في معادلة الأمن البحري العالمي.
الموقع الجيوسياسي للجنوب العربي وأهميته للملاحة الدولية
يُعد الموقع الجغرافي للجنوب العربي أحد أهم المرتكزات الجيوسياسية في العالم. فإشرافه المباشر على البحر الأحمر وخليج عدن يضعه في قلب حركة التجارة بين الشرق والغرب.
مضيق باب المندب: يمثل عنق الزجاجة للتجارة العالمية، حيث تمر عبره ملايين البراميل من النفط يوميًا، بالإضافة إلى حركة البضائع المتجهة نحو قناة السويس.
خليج عدن: يمثل الامتداد الطبيعي للمحيط الهندي، وتأمين سواحله يعني تأمين ثلثي التجارة العالمية المنقولة بحرًا.
هذا الموقع يمنح الدولة الجنوبية دورًا محورييًا في حماية خطوط الملاحة، حيث إن أي اضطراب في هذه الجغرافيا يؤدي فورًا إلى ارتفاع تكاليف التأمين البحري وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية.
الدور الجنوبي في تعزيز الأمن البحري ومكافحة القرصنة
أثبتت القوات الجنوبية، خلال السنوات الماضية، كفاءة عالية في إدارة الملف الأمني على طول السواحل الممتدة من المهرة شرقًا وحتى باب المندب غربًا. لم يكن هذا الدور وليد الصدفة، بل جاء نتيجة إرادة سياسية وتضحيات ميدانية جسيمة.
تأمين الموانئ الاستراتيجية
تعتبر موانئ عدن، المكلا، وبالحاف، شرايين اقتصادية وأمنية. وقد نجحت المؤسسات الأمنية الجنوبية في فرض طوق أمني حال دون تسلل الجماعات التخريبية أو تحول هذه الموانئ إلى منطلقات لأنشطة غير مشروعة.
مكافحة التهريب والقرصنة
واجهت المنطقة تهديدات مستمرة من شبكات القرصنة والتهريب (السلاح والبشر). وقد ساهمت القوات البحرية وقوات خفر السواحل الجنوبية في تقليص هذه الأنشطة بشكل ملحوظ، مما عزز من الثقة الإقليمية والدولية في قدرة الجنوبيين على ضبط حدودهم البحرية.
الدولة الجنوبية كشريك فعال في مكافحة الإرهاب
تبرز الدولة الجنوبية، بإطارها المؤسسي، كشريك لا غنى عنه في الحرب الدولية على الإرهاب. ففي ظل الانهيارات التي شهدتها المنطقة، ظلت القوات الجنوبية هي القوة الأكثر تماسكًا ومصداقية في مواجهة تنظيمات “القاعدة” و”داعش”.
تقليص مساحات نشاط الجماعات المتطرفة
بفضل العمليات العسكرية النوعية مثل (سهام الشرق) وغيرها، تمكنت القوات الجنوبية من:
تطهير معاقل تاريخية للجماعات الإرهابية في أبين وشبوة.
تدمير البنية التحتية اللوجستية لتلك الجماعات.
منع تحول الجنوب إلى “ملاذ آمن” يهدد الأمن القومي لدول الجوار.
إن وجود مؤسسات أمنية جنوبية منظمة حال دون تمدد الفوضى، وأثبت أن استعادة الدولة الجنوبية هي الضمانة الوحيدة لاستئصال شأفة الإرهاب بشكل مستدام.
معالجة جذور عدم الاستقرار: الدولة كحل
لا يقتصر دور الجنوب على الجانب الأمني الميداني فقط، بل يمتد إلى البعد الاستراتيجي المتعلق بـ بناء الدولة. يدرك المجتمع الدولي أن غياب الدولة وتفكك المؤسسات يمثلان البيئة الخصبة لانتشار الصراعات.
عامل توازن: استقرار الجنوب يعني إيجاد كيان سياسي مسؤول وقادر على الوفاء بالالتزامات الدولية.
منع انتقال الأزمات: بناء دولة جنوبية قوية يمنع انتقال “عدوى الفوضى” من مناطق النزاع المجاورة إلى الممرات المائية.
الاستدامة: إن مكافحة الإرهاب والقرصنة لا يمكن أن تستمر عبر مسكنات مؤقتة، بل تتطلب وجود دولة ذات سيادة تمتلك مؤسسات قانونية وعسكرية رسمية.
الارتباط العضوي بين أمن الجنوب وأمن الطاقة العالمي
يرتبط استقرار الجنوب العربي ارتباطًا وثيقًا بـ أمن الطاقة. فالعالم الذي يعتمد على تدفق النفط والغاز من الخليج العربي نحو أوروبا وأمريكا، يرى في استقرار سواحل الجنوب العربي ضمانة لاستمرارية هذا التدفق.
أي اختلال أمني في الجنوب، سواء عبر سيطرة جماعات مسلحة أو انتشار الفوضى، سينعكس مباشرة على:
أسعار الطاقة العالمية: نتيجة المخاطر الأمنية في المضايق.
الأعباء الأمنية الإقليمية: حيث ستضطر دول الإقليم والتحالف الدولي لتحمل تكاليف مضاعفة لحماية الملاحة في ظل غياب شريك محلي قوي.
لذلك، فإن تمكين الدولة الجنوبية من أداء دورها السيادي هو استثمار في “الأمن الجماعي” وتخفيف للضغط عن القوى الدولية والإقليمية.
استقلال الجنوب ضرورة دولية
إن بناء دولة جنوبية مستقرة لم يعد مجرد مطلب شعبي محلي، بل أضحى ضرورة إقليمية ودولية. إن المعطيات الجيوسياسية تؤكد أن الجنوب العربي هو:
حارس البوابة الجنوبية للبحر الأحمر.
رأس الحربة في مواجهة التمدد الإرهابي.
الشريك الموثوق لتأمين التجارة العالمية.
يمثل الجنوب العربي بموقعه الاستراتيجي وإرادته السياسية الصلبة، الركيزة الأساسية في معادلة الاستقرار. ودعم تطلعات شعبه في بناء دولته المستقلة هو السبيل الأنجع لضمان مستقبل آمن للملاحة الدولية وللمنطقة بأسرها.
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا
















