تتصاعد حدة الحراك الشعبي في قلب وادي حضرموت، حيث تحولت مدينة سيئون إلى مركز ثقل سياسي وجماهيري لا يمكن تجاهله.
ففي مشهد وطني مهيب، شهد مخيم الاعتصام المفتوح بمدينة سيئون، توافدًا شعبيًا وقبليًا حاشدًا من مختلف مديريات وادي وصحراء حضرموت. هذا الاحتشاد لم يكن مجرد تجمع عابر، بل عكس حجمًا هائلًا من الوعي الشعبي والالتفاف الجماهيري حول المطالب الوطنية الكبرى، وعلى رأسها إعلان دولة الجنوب العربي الفيدرالية.
الالتفاف القبلي والشعبي: وحدة الصف الحضرمي
مع دخول الاعتصام يومه التاسع عشر، أثبت أبناء حضرموت أن إرادتهم صلبة لا تلين. توافدت الوفود القبلية من كل حدب وصوب، حاملة رسائل الدعم المطلق للمعتصمين. وأكد قادة الوفود أن هذه الساحة أصبحت “الصوت الحر” الذي ينطق باسم المظلومين والمهمشين، مشيرين إلى أن محاولات الالتفاف على مطالب الشعب الجنوبي باتت مستحيلة أمام هذه الوحدة الجسورة.
لقد عانى أبناء حضرموت والجنوب عامة عقودًا من التهميش المتعمد والإقصاء الممنهج، واليوم تأتي صرخة سيئون لتضع حدًا لهذا المسار، مؤكدة أن “دولة الجنوب العربي” ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي ضرورة وجودية لاستعادة الكرامة والحقوق المنهوبة.
“لعبة الشبواني”: عندما يمتزج التراث بالنضال الوطني
في لفتة جسدت عمق الهوية الحضرمية، احتضنت ساحة الاعتصام فعالية تراثية مميزة تمثلت في أداء “لعبة الشبواني” الشهيرة، والتي نظمتها “حافة الحوطة”. وسط أجواء حماسية تلهب الصدور، تداخلت أصوات الطبول مع الأبيات الشعرية الحماسية، لترسم لوحة فنية نضالية فريدة.
لم تكن الأناشيد التي رددها المشاركون مجرد كلمات، بل كانت قصائد فخر واعتزاز بتضحيات أبطال القوات المسلحة الجنوبية. أشاد المتظاهرون بالدور المحوري الذي تلعبه هذه القوات في تأمين الجنوب، وجددوا مطالبتهم بتمكين القوات الجنوبية من إدارة الملف الأمني في وادي وصحراء حضرموت بالكامل، وتطهيرها من القوى التي يصفونها بقوى الاحتلال والإرهاب.
رسائل سيئون إلى الداخل والخارج
يحمل استمرار الاعتصام لليوم التاسع عشر دلالات سياسية عميقة، يمكن تلخيصها في ثلاث رسائل جوهرية:
رسالة للداخل الجنوبي: وحدة الصف هي السلاح الأقوى، وأن حضرموت كانت وستبقى قلب الجنوب النابض ومشروعه التحرري.
رسالة للقوى المعادية: أن زمن الصمت قد ولى، وأن المماطلة في تنفيذ مطالب أبناء الوادي لن تزيدهم إلا إصرارًا وثباتًا.
رسالة للمجتمع الدولي: أن شعب الجنوب يمارس نضالًا سلميًا منظمًا وحضاريًا، ينم عن وعي سياسي رفيع، وأن عدالة القضية الجنوبية لا تقبل القسمة على اثنين.
مطالب المعتصمين: خارطة طريق واضحة
لم يعد المعتصمون في سيئون يرفعون شعارات غامضة، بل حددوا أهدافهم بوضوح تام، وتتلخص في:
التمكين العسكري والأمني: رحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى وإحلال قوات النخبة الحضرمية والقوات الجنوبية بدلًا عنها.
الاستقلال السياسي: المضي قدمًا نحو إعلان دولة الجنوب العربي واستعادة السيادة الكاملة.
تحسين المعيشة: إنهاء سياسة التجويد وتوفير الخدمات الأساسية التي تليق بمحافظة تعد الأغنى بالثروات.
الإصرار الشعبي: الصمود حتى النصر
إن المشاهد القادمة من سيئون اليوم تؤكد أن الحراك السلمي في وادي وصحراء حضرموت يمر بمرحلة مفصلية. هذا النفس الطويل في الاعتصام، والقدرة على حشد القبائل والشباب والمرأة، يبعث برسالة قوية بأن الشارع هو صاحب الكلمة الفصل.
لقد أثبتت فعاليات “حافة الحوطة” والتوافد القبلي اليوم أن القضية الوطنية سكنت وجدان المواطن الحضرمي، وأن التراث والفن والشعر كلها أدوات سُخرت لخدمة الهدف الأسمى: “الحرية والاستقلال”.
سيظل مخيم اعتصام سيئون علامة فارقة في تاريخ النضال الجنوبي المعاصر. إنه مدرسة في الصمود، ومنصة لإيصال صوت شعب لا يقبل بغير النصر بديلًا. ومع تزايد الزخم يومًا بعد يوم، يبقى السؤال المطروح على طاولة القوى السياسية: متى سيتم الاستجابة لهذه الإرادة الشعبية الجارفة قبل أن تنفجر براكين الغضب بشكل لا يمكن احتواؤه؟
انضموا لقناة عرب تايم الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا















